الأخبار
- تقارير وتحليلات
"المولد".. ما الرسائل التي أراد الحوثيون تمريرها بعباءة "النبي"؟
العاصمة أونلاين - خاص
الاربعاء, 20 نوفمبر, 2019 - 04:44 مساءً
بزخم مختلف وبتكاليف ضخمة، احتفل الحوثيون بمناسبة المولد النبوي هذا العام، في تظاهرة كرنفالية غير مسبوقة منذ تأسيس الحركة، حيث بالغت الجماعة بشكل ملفت هذا العام في طقوس هذا الكرنفال السنوي بطريقة مختلفة عن المعتاد، بما في ذلك المبالغة في طلاء الشوارع والمباني باللون الأخضر الذي يمثل الهوية البصرية للجماعة، وملء أقطارها بالأعلام والأقمشة التي تحمل اللون نفسه، وما رافقها من حملة مكثفة في كل المنابر الإعلامية المسموعة والمقروءة ووسائل الاعلام التفاعلي وشبكات الهاتف الخلوي عن طريق رسائل يومية تدعو إلى التحشيد، ومشاركة الجماعة في إحياء المناسبة، التي يتداخل فيها الطائفي بالسياسي.
فعاليات استباقية وتحشيد اجباري
منذ أكثر من شهر دأبت الجماعة على إقامة سلسلة فعاليات استباقية على هامش المناسبة شملت المدارس الحكومية والخاصة والمؤسسات الحكومية، كانت المشاركة فيها بشكل إلزامي، مع التهديد والوعيد لمن يتخلف عن حضورها.
الامر نفسه حدث مع طلاب الجامعات الحكومية، كما هو الحال مع جامعة صنعاء، كبرى جامعات اليمن، حيث جاءت الأوامر إلى عمداء الكليات من قبل الجماعة بإجبار الطلاب على الخروج في الفعاليات التي أقامتها الجماعة قبيل "المولد" وهو ما تم تنفيذه حرفيًا في مقابل تعطيل الدراسة خلال الأيام التي تتزامن مع فعاليات التحشيد للفعالية الكبرى.
تحشيد الطلاب لحضور الفعالية رافقه انذار رسمي من الكليات بعضها بشكل مباشر وبعضها بشكل غير مباشر عن طريق ما يعرف بـ"الملتقى الطلابي" التابع للجماعة في جميع الكليات، تضمن وعيدًا صريحًا بالخصم من درجات الطلاب الذين لم يمتثلوا للحضور، مع تأكيدات أن هناك كشف يحصي الحضور والغياب لتوثيق من حضر ومن تخلف، يتم بمقتضاه محاسبة الطلاب الذين خالفوا التوجيهات.
أما بالنسبة للسكنات الطلابية الحكومية التابعة لجامعة صنعاء، فقد فرض الحوثيون على الطلاب القاطنين بها الانضمام إلى اللجان التنظيمية الخاصة بالفعالية التي تضطلع بتنظيم الحشود القادمة إلى ميدان السبعين غداة إقامة الفعالية الكبرى.
فعاليات التحشيد لم تستثن أيضًا الجامعات الخاصة، حيث أقيمت سلسلة فعاليات في الجامعات الخاصة بالعاصمة صنعاء ومحافظات أخرى من الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي تعطلت خلالها الكليات حتى انتهاء الفعالية.
جبايات "المولد"
استعدادات الحوثيين لإحياء الفعالية شملت أيضا فرض إتاوات على التجار وأصحاب العقارات في جميع مناطق نفوذها بشكل اجباري يحددها المندوب الحوثي المكلف بهذا الغرض، مقابل سند قبض بالمبلغ الذي تم أخذه من المتبرع أو التجار، حيث تم تصميم سندات رسمية من قبل الجماعة خصيصًا لهذه المناسبة، كما هو الحال في المناسبات الحوثية الأخرى، وإن كانت هذه المرة بشكل أكثر صرامة.
"إبراهيم. م" يعمل في بقالة صغيرة بصنعاء وهي مصدر دخله الوحيد يعيل منها عائلته يقول: مع كل مناسبة يأتي المسلحون الحوثيون ويفرضون علينا مبالغ مالية لا مناص لك في الامتناع من دفعها، وإلا أخذوك للسجن".
ويضيف: "لم يمر شهر ونصف منذ أخر مرة دفعنا فيها إتاوة للحوثيين في احتفالهم بذكرى انقلاب 21سبتمبر، وهاهم الآن يفرضون علينا اتاوات أخرى بمناسبة احتفالهم بالمولد.. لا أدري أي رسول يرضى بابتزاز الفقراء في لقمة عيالهم ليحتفل بمولده، تبًا لهذا الواقع".
الرسائل المضمرة
رغم أن جماعة الحوثي تحتفل بمناسبة "المولد" كل عام، إلا أن هذا المرة ليست كسابقاتها من حيث حجم الاستعدادات والنفقات الطائلة والحملات الدعائية والتحشيد الذي كان اجباريًا في بعض الحالات.
كما وظفت الجماعة كل إمكانيات الدولة التي بيدها في حشد أكبر عدد من الناس في ميدان السبعين، وملأت الأفاق ضجيجًا وصبغت كل الشوارع والمؤسسات وسائل الموصلات باللون الأخضر، وملأت الشوارع والأحياء باللوحات الضوئية العملاقة الدعائية.
وتعد هذه المناسبة الأولى منذ قيام الحركة التي تم الاستعداد لها بهذا الهيلمان والبذخ، على نحوٍ يثير علامات الاستفهام حول المغزى المضمر من وراء كل هذا، وهو ما يقودنا إلى الالتفات إلى التطورات التي طرأت مؤخرًا في مشهد الصراع في اليمن ومتجهات حرب التحالف مع الحوثيين التي بدأت تأخذ منحًى جديدًا استبانت ملامحه في مواقف الرياض التي تقود تحالفًا عسكريًا ضد الحوثيين في اليمن، والتي أصبحت في الفترة الأخيرة تهرول في استجداء الوساطات الدولية للبحث عن مخرج مشرف للحرب في اليمن، بالترافق مع تسريبات تكشف عن تواصل من تحت الطاولة بين الرياض والحوثيين في الترتيب لمباحثات سرية يجري الاعداد لها للتوافق على صيغة مقبول للخروج من حرب اليمن. وهو ما بدا جليا في تراجع حدة الضربات العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في الفترة الأخيرة، التي يبدو أنها أحد ملامح الواقع الجديد الذي يتشكل بعيد عن العلن.
بالتالي تحاول جماعة الحوثي بالتزامن مع هذه المستجدات إظهار بأسها كقوة سياسية ودينية لها شعبيتها وحضورها الجماهيري العريض في الشارع اليمني على الطريقة نفسها التي دأب عليها النظام القديم في سنين حكمه الخالية.
وهذا بالضبط ما يحاول الحوثيون قوله من خلال تحشيد مئات الآلاف الذين خرجوا رغبة ورهبة في هذه المناسبة، التي تحمل ما يكفي للإيحاء بمدى نفوذ الحركة وقبولها الشعبي، بالإضافة إلى ارسال رسالة لقيادة التحالف والقوى العظمى مفادها أن الحركة أصبحت قوة لا يمكن اقتلاعها بسهولة ويجب التعاطي معها كأمر واقع لها سقفها اللائق من الاستحقاقات في يمن ما بعد الانقلاب في أي مفاوضات مرتقبة بشأن انهاء الحرب في اليمن.
مدلول التوقيت
اختيار الحوثيين لهذا المناسبة دون غيرها لبث رسالتها، لم يكن اعتباطيًا، لاعتبارات أهمها رمزية المناسبة وما يمثله الرسول محمد (ص) في وجدان المسلمين، وبالتالي يغدو من السهل تبرير البذخ غير المسبوق الذي أنفقته الجماعة في سبيل إنجاح هذه المناسبة رغم ما تحمله من رمزية طائفية وحركية.
الأمر الأخر وهو الأهم، يتعلق بوجود ذريعة للتحشيد الاجباري لأكبر عدد من الناس، بمبرر أن مناسبة ميلاد النبي (ص) لا بد أن تتجاوز الانتماءات الدينية والسياسية كما تسوق لذلك جماعة الحوثي، وهذا يوفر عليها كثير من اللوم في ممارستها الضغوط الجبرية على الطلاب وموظفي القطاع العام مثلا والدفع بهم إلى الخروج في الميادين لإحياء المناسبة الحوثية، بينما لا يكون هذا المبرر متاحًا في حال قررت الجماعة التستر خلفه في مناسباتها الأخرى التي ترتبط عضويًا بالحركة أو المذهب.
كل هذه العوامل يبدو أنها كانت مدروسة بعناية من قبل الجماعة، وهو ما أعفاها _ولو جزئيًا_ من ردود الفعل الشعبية وإن كانت لا تمثل للحوثيين كثيرَ شيء.