الأخبار
- تقارير وتحليلات
ما بين التسول ومتارس القتال.. قصة الطفل "محمد راجح" الذي عانى من استغلال والده وتجنيد الحوثيين
العاصمة أونلاين/ خاص/ عمار زعبل
السبت, 07 ديسمبر, 2019 - 09:23 مساءً
(أريد أن أكون مهندس تلفونات لآتي بأمي وإخوتي يعيشون معي) أمنية طفل نالت منه الحرب, يسعى إلى تحقيقها بعد أن عانى من التشرد والضياع والتجنيد القسري, تسرب من التعليم, ولم يبق له باباً يلجأ إليه إلا أن يتعلم مهنة تساعده على مواصلة حياته مع إخوته وأمه, وقد انقطع تواصله معهم منذ أكثر من سنة.
مهنة "إصلاح الهواتف النقالة" هي من يسعى إلى أن يعمل فيها الطفل (محمد, راجح الحرازي) ذو الـ 14 من عمره بعد أن شارك في إحدى الدورات التأهيلية في إصلاح التلفونات بمساعدة من شخص عمل على "تبنيه" والاهتمام به وإخراجه من صنعاء إلى محافظة مأرب.
لا يتحدث محمد عن معاناة التجنيد والانتهاكات التي تعرض فقط, بل عن رحلته مع التشرد يقول "كان يعيش مع أسرته في حي عصر بالعاصمة صنعاء, وأنهم قدموا من مديرية حراز, إلا أن أغلب طفولته عاشه في بيت صغير إيجار ولا عمل لوالده سوى التسول وهي المهنة التي أراد أن يورثها له ولبقية إخوته الصغار".
"درست للصف الثاني ثم أخرجني أبي بعد أربعة أو خمسة أيام" فمنذ أربعة أعوام لم يعد محمد إلى المدرسة التي تدعى بمدرسة الصديق, لم يعد إليها بعد أن كان طلب أبيه بأن يحترف التسول وينزل إلى أسواق وشوارع المدينة ليتسول ويعود ما تجود به أيدي الناس إلى والده, الذي كان قد ترك والدته وتزوج بأخرى وهو ما ضاعف المعاناة لديه.
انتقلت الأم للعيش إلى مكان آخر مع أحد أشقائها, بينما بقي محمد مع إخوته مع أبيهم وزوجته, يقول لديه أخ يعاني من "تخلف عقلي" عمره أكثر من 21 سنة, إلا أن والده أراد أن يستفيد منه في مهنة التسول, إضافة إلى اختين أصغر منه في السن, كما أن الأب نفسه يدعي أمام الناس بأنه يعاني من ارتعاش في جسمه لكي يستعطف الآخرين ويتصدقوا عليه, وهو ما كان يحزنه إذ أنه يعود بفلوس قليلة تزيد من غضب أبيه الذي كان يحرمهم من الطعام إذ لا يتناولون إلا الزبادي والخبز فقط.
يعود مجدداً إلى الحديث عن تركه الدراسة كنوع من التحسر عليها "أبي ما كان يشتيني أدرس ولا حاجة يشتيني أسير أطلب الله أجمع زلط بس" وهو ما جعله يندفع في البداية لاستجداء من يجدهم أمامه, إلا أن والده يعطي المال كله لزوجته التي تحرمهم من الطعام والشراب, فلا يجدون إلا الخبز والزبادي فقط, في إشارة إلى الحرمان الذي يلاقيه هو وبقية إخوته.
واصل محمد الذهاب صباحاً إلى شوارع وأسواق صنعاء, إلا أنه يرجع دون فلوس, وهو ما يغضب أبوه, ويطالبه بإيصال أي مبلغ كان غير آبه بطفولته وصغر سنه, دفع بأبيه في آخر المطاف أن يدفع به إلى التجنيد مع جماعة الحوثيين.
ومرت عليه أسماء كثيرة منها (أبو الكرار, أبو صخر, الخميني, الأشتر) والتي رافقها بدءاً من مقر الحوثيين في حارته, أوصله أبوه إليهم على أمل أن يحصل على راتب وإغاثة وقادوه إلى معسكر "الصباحة" غرب العاصمة, يصف محمد المعسكر, بمعسكر أحمد علي, بإشارة إلى نجل الرئيس السابق علي عبدالله صالح, والذي كان يقود الحرس الجمهوري, وهي التشكيلة التي كان يتبعها المعسكر قبل سيطرة الحوثيين عليه.
في بدروم تحت الأرض كانت مهمته, لم يخضع لتدريب, إلا ما يتلقاه من محاضرات في مقر الجماعة, يتذكر أنها تحث على القتال والجهاد وأن لا مستقبل لهم إلا في الجبهات.
آخر عملية في نقل الإمداد مع الحوثيين تعرض محمد لحادث سير باصطدام الطقم الذي كان يستقله مع اثنين في "الجودي" ويصف الحادثة "كنت أعبي ذخائر ونؤدي مدد إلى خولان" وخولان منطقة قريبة من جبهة نهم شرق صنعاء.
ظل في المستشفى 5 أشهر حسب ما يقول وصل إليه وهو في غيبوبة تامة "ما سلمت إلا أنا اثنين ماتوا من الهيلوكس و2 من السيارة الأخرى بعد ما صحيت لم أكن أدري أين أنا, تفاجأت بالمغذيات والفراشات في أرجلي ويدي" وهو ما جعله يدخل في نوبة من البكاء والخوف ولا أحد معه ولم تعلم أسرته أنه مصاب وجريح إلا بعد خروجه وسماح الحوثيين بالذهاب للمنزل والعودة إلا أنه بعد زيارة أسرته لم ينتظر كثيراً هرب إلى الشارع بعيداً عن الحوثيين وأبيه الذي ما يرى في حياته إلا الفلوس والمال فقط.
لم يجد الأمان لا في بيته أو مقر جماعة الحوثيين, فلجأ إلى الشوارع فعمل على بيع المياه وعلب الفاين "الكلينكس" وأكثر ما يحزنه أنه لا مكان ينام فيه سوى الشارع, وبعد أشهر تعرف على طفل يكبره بأعوام, حكى عنه قصته وهروبه وقساوة والده عليه, فعمل الطفل الذي يدعى "صالح" إلى أخذه معه إلى منزلهم القريب من "توفير هيبر" كما ذكر إلا أن والد الطفل لم يرحب به في البداية إلا أنه عمل على تبنيه وأخذه معه إلى مدين مأرب, والتي أراد فيها أن يرتب له حياة جديدة.
أصبح محمد يدعو الشخص الجديد بأبيه إلا أنه لا يحمل الكره لوالده الحقيقي يتمنى أولاً أن تتحسن حالته وأن يكون معه محل صغير لإصلاح التلفونات ثم سيعمل على البحث عن أمه وأخوته ليأتوا إليه وهي أمنية سيعمل من أجلها بكل قوته كما تشير تعبيرات وجهه أثناء نطقه بها, وهو يستعرض من رسمة عبر بها عن حلمه المنتظر.