السنباني.. رحيلٌ من نوعٍ آخر
الإثنين, 01 يونيو, 2020 - 08:01 مساءً
عندما تُصاب البلد بهذا القدر من الإحباط وتكون غير قادرة على تشخيص دائها، ثم يُحيل الجميع كل ذلك الخراب والإقتتال والتمزُق إلى قصور التعليم وإنعدام مخرجاته السليمة فإن البلد حينها لا تكون مستعدة لخسارة أحد أهم رجالها الذين سعوا حثيثاً في تغيير واقع التعليم باليمن.
لم يكن الدكتور صالح السنباني كغيره من البرلمانيين، الذين توفرت لديهم الوجاهة لنيل ثقة الناخبين وحسب وإنما كان الرائد القادم من الوسط الأكاديمي حيثُ عمل بكل جد لرفع مستوى كفاءة الجامعات وتأهيل الكوادر التدريسية قبل الطلاب من خلال مناصبه الإشرافية والميدانية المتعددة لقطاعات التعليم العالي.
كان في ظل إستحالة تجاوب السلطات لنداءاته التي يطلقها من جميع المنابر للرأفة بمجال التعليم الذي وصفه في إحدى ندواته بالقول " يمكنني أن اؤكد غير مبالغ إن اليمن من أكثر الدول النامية تأخراً في هذا المجال وهذا ليس بسبب شحة الموارد لأن هناك دول نامية أحدثت قفزة في التعليم رغم تفوقنا عليهم بالموارد بعشرات الأضعاف ".
أقول في ظل عدم تجاوب السلطات لم يآثر الصمت بل كان شجاعاً في تعرية المسؤولين ذوو الإختصاص وكشف فسادهم وفشلهم وعجزهم متحملاً تبعات ذلك من الخصومة وهو بهذا يتميز عن غيره من القادة بقوة الكلمة وشجاعة الموقف.
لا شك أن البلد تخسر الكثير برحيل شخصية شجاعة ومخلصة بحجم الدكتور صالح السنباني في وقت هي في أشد الحاجة لأمثاله من الحكماء، فالمعهود عليه دائماً هو حضوره الفعّال لحل خلافات ومسائل عالقة كانت تؤرق الدولة داخل محيطها الإجتماعي وهو محل تقدير في جميع المناسبات.
ديمقراطياً كان للدكتور صالح تجربة برلمانية نستطيع ان نصفها بالأنزه إذ قدم نفسه مرشحاً لمجلس النواب عن الدائرة (15), يذكر الأستاذ احمد الاشول الذي كان عضواً في اللجنة الأصلية لذات الدائرة كيف أن السنباني كان ينفرد به ليوصيه بعدم التعصب أو الدخول في خلافات ومماحكات او إلحاق الضرر بأحد بسبب التمثيل الحزبي مؤكداً حرصه على نجاح التجربة الديمقراطية وترسيخها.
ثورياً كان ملهماً من خلال نقاشاته وندواته وعمله المستفيض من أجل إنجاح ثورة فبراير الشبابية.
يعمل في ساحاتها على الصعيد المحلي ثم إذا ما جاء المبعوث الاممي هرع إليه السنباني مع جمله من رجالات اليمن لسرد الحالة الثورية وما تمر به من تحديات وصعوبات وكان لموقفه المؤيد أثر بالغ في تغيير قناعات الكثير حول جدوى التغيير والإسهام في الحراك المؤدي إليه.
وسياسياً كان عضو مجلس شورى التجمع اليمني للإصلاح أحد أكبر الاحزاب اليمنية وأمين عام مكتبه التنفيذي في أمانة العاصمة، ما يعني انه أحد موجهي السياسة العامة للحزب وراسمي خطوطها العريضة ومما لا شك فيه أن هذه خسارة فادحة للإصلاح الذي يخوض تحت مظلة الشرعية حرباً بالغة التعقيد في سبيل مساعي إستعادة الدولة.
فيما البلاد والأمة اليمنية تحلم في تمخض واقع جديد يجعل القيادة والشعب أمام تطورات تليق بتطلعات وتضحيات كل الأبطال، يؤسفنا أن نودع هذا الرجل الذي مثّل في صدقه ونزاهته نموذجاً عظيماً للإنسان اليمني الطموح والمثابر وسط محيط معتم وعاصف وحساس، الرحمة والمغفرة للدكتور صالح السنباني والمجد والخلود لجميع شهداء البلد.