صحفي يمني
الإمامة.. خارطةٌ مُهترئة وانحسار دائم
الثلاثاء, 07 يوليو, 2020 - 11:37 مساءً
بـِمعزل عن قراءة التاريخ، هناك من يصف انقلاب جماعة الحوثي، واستيلاءها على السلطة يوم «21سبتمبر 2014م»، بـ «الحق الإلهي» الذي عاد إلى أهله بعد «52» عامًا إلا أربعة أيام، وهو التبرير الذي انطلى على كثيرين؛ لوجود ما يُعززه من داخل موروث «الثورة السبتمبرية» ذاتها، وأدبيات مُناضليها، ومُفكريها، وصحفييها، ودائمًا ما تتكرر عبارة: «الثورة التي أنقذت اليمن من ظلم الكهنوت، الذي جثم على أراضيها لأكثر من الف عام».
المـُتلقي هنا ينظر إلى اليمن بجغرافيتها الحالية، غير مـُدرك أنَّ اليمن تاريخيًا حكمته عدة دول مُتصارعة، وأنَّ «الإمامة الزّيدِيّة» ما هي إلا جزء من كُـل، عاشت تاريخها الطويل في انحسار دائم، ولم تتجـاوز الهضبة الشمالية إلا بمراحل متأخرة من عهد الأئمـة «القاسميين».
حقائق مهمة ولافتة يتجاهلها كثيرون، والدافع لاستجلابها - هنا - ظهور أصوات لا تُجيد قراءة التاريخ، وتجيّره حسب هواها، واستنتاجاتها لا تتوقف عند حدود عودة «الحق لأهله»؛ بل تتعداها إلى الاستدلال بذلك الموروث المـُـتراكم، وبالذاكرة الشعبية المـُغيبة، فهي حد وصفها تحفظ ذلك وتستسيغه، دون الرجوع إلى كُتب التاريخ ومراجعه الموثوقة، وتزيد على ذلك: بأن آباءنا وأجدادنا رضخوا لحكم الأئمة المسنودين من السماء! وصبروا على أذاهم، ولا ضير أن نعيش - نحن - في كنفهم، وهي مُغالطة سمجة من السهولة تفنيدها.
حكَم الأئمة «إقليم حضرموت» لـ «23» سنة فقط، من سنة «1659م» إلى سنة «1682م»، دخلوها في عهد الإمام «المـُـتوكل» إسماعيل بن القاسم، وذلك بعد أن استنجد به «الكثيريون» ضد أبناء عمومة لهم، وخرجوا منها بعد أن استنجد الأخيرون بقبائـل يافع التي بدورها دعمتهم بـ «6,000» مُقاتل، وحكمت غالبية البلاد الحضرمية لقرون، «آل كساد» في المكلا، و«آل بريك» في الشحر، وتعد «السلطنة القعيطية» من أكبر النجاحات السياسية اليافعية هناك، وكان معظم سكان حضرموت من رعاياها.
أما «إقليم عدن» فقد حكمه الأئمة لـ «81» سنة، من سنة «1647م» إلى سنة «1728م»، دخلوها في عهـد «المـُتوكل» إسماعيل بن القاسم، وضعفت سيطرتهم عليها بعد الثورة التي قادها أبناء يافع «1684م»، الأمر الذي حفز سلطان لحج - وبمساعدة الأخيرين - ليؤسس إمارة مُستقلة ومُستقرة، وذلك في العام «1728م». (ومن هنا ربما جاءت المقولة المتداولة على لسان الإمامة: لولا اليوافع ما همّينا الشوافع).
وقد سبق ذلك توغلٌ إمامي مُتقطع، فقد اجتاحها «الناصر» صلاح الدين بن علي، في القرن الثامن الهجري، ومُني بهزيمة خاطفة وقاسية، وفي القرن العاشر الهجري دخلها «الناصر» المـُطهر بن يحيى شرف الدين، لتُطرد قواته بعد عام واحد من تواجدها، وذلك من قبل الأتراك الذين عززوا حينها تواجدهم في اليمن، وما يجدر ذكره أنَّ يافع ظلت تحت حكم الأئمة لـ «28» عامًا فقط.
«إقليم تهامة» هو الآخر حكمه الأئمة لـ «200» سنة تقريبًا، بدأت - بالتحديد - بعد خروج الأتراك من اليمن «1636م» في حملتهم الأولى، وانتهت باجتياح الشريف حمود أبو مسمار «صاحب أبي عريش»، واستقطاعها من «الدولة القاسمية» بمساعدة من «آل سعود»، في عهد الإمام «المنصور» علي بن «المهدي» عباس، واعتراف ولد الأخير «المـُـتوكل» أحمد له بذلك «1809م».
أتت بعد ذلك قوات محمد علي باشا، ثم الأتراك في حملتهم الثانية، ثم «الأدارسة» بدعم بريطاني، ولم يعد الإقليم كاملًا لحكم دولة الإمامة إلا بعد القضاء على ثورة الزرانيق «1929م»، وهي سيطرة هـدَّ سكونها اجتياح القوات السعودية لشمال الإقليم «1934م»، بمساعدة الشيخ هادي الهيج، وبعض مشايخ تهامة الذين تحالفوا مع «آل سعود» نكاية بـ «إمام صنعاء» الذي صادر أسلحتهم، أوقفت «اتفاقية الطائف» - في نفس العام - تلك الحرب، إلا أنها لم تُنهِ الصراع.
أما «إقليم الجند» فقد حكمه الأئمة لـ «263» سنة تقريبًا، وعلى ثلاث مراحل، «12» سنة في عهد الأئمة من بيت «شرف الدين»، «11» سنة منها قبل دخول الأتراك الإقليم «1546م»، وسنة قبـل قـُدوم حملة الوزير سنان باشا «1569م».
الأئمة «القاسميون» حكموا الإقليم على مرحلتين: الأولى من سنة «1630م»، إلى سنة «1838م»، انتهت بقدوم قوات محمد علي باشا، ثم الأتراك، وقد كانت سيطرتهم في بعض تلك السنوات شكلية، أما المرحلة الثانية فقد ابتدأت باجتياح قوات الإمام يحيى حميد الدين «1919م» للإقليم، وانتهت بقيام الثـورة السبتمبرية المجيدة «1962م».
فيما يخص إقليم سبأ، سنضطر - هنا - أن نفصل بين محافظة وأخرى، دون تحديد مدة زمنية جامعة، وإذا كانت أغلب مناطق محافظة الجوف مثلًا قد دانت لحكم الأئمة، فإن محافظة مأرب عكسها تمامـًا، فهي تقريبًا ظلت شبه مُستقلة تحت حكم إحدى الأسر «العلوية»، وذلك من العام «1640م»، ولم يتحقق للأئمة السيطرة عليها إلا في عهد الإمام يحيى، بعد أن قضت قواته على آخر حكامها الأمير محمد بن عبدالرحمن «1931م».
صحيح أنَّ الإمامين عبدالله بن حمزة، وأحمد بن ال
حسين غزوا مأرب في القرن السابع الهجري، إلا أنَّ سيطرتهما عليها كانت مُتقطعة، وفي العام «1957م» قامت قبائل صرواح بتمرد مسلح ضد حكم الأئمة، إلا أنَّه فشل، فيما ظلت سيطرة النظام الجمهوري على مأرب مُتقطعة، ولم تتحقق السيطرة الجمهورية عليها إلا نهاية العام «1968م».
محافظة البيضاء هي الأخرى دانت بعض مناطقها - خاصة الشمالية - لحكم الأئمة، ولفترات مُتقطعة، وتاريخها في بداية «الدولة القاسمية» مُرتبط بيافع، وثوراتها المتعددة، أما قوات الإمام يحيى فقد دخلتها بداية العام «1923م».
قدِم إلى البيضاء بعد «18» عامًا الشيخ محمد الدباغ من الحجاز، وهو طامح «علوي»، استغل توالي الهزائم على الأئمة من قبل الإنجليز، وقام بمساعدة قبائل يافع بثورة سيطر من خلالها على عدة مناطق، أرسل الإمام يحيى بقوة جبارة للقضاء عليه «1941م»، وحين فشلت استنجد بالإنجليز، لتخمد بعد ذلك تلك الثورة، وعادت البيضاء لحكم الأئمة حتى العام «1962م».
أما «إقليم آزال» فقد وجد الشيعة «الإسماعلية» و«الزّيدِيّة» فيه مَرتعًا خصبًا لنشر أفكارهم، وإقامة دولتهم، استمر التنافس بين الفريقين مُنذ نهاية القرن الثالث الهجري حتى مُنتصف القرن السادس الهجري، قضى «الأيوبيون» على «الإسماعليين»، فيما ظلت «الإمامة الزّيدِيّة» محصورة في المناطق الشمالية، ولم تتحقق لها السيطرة التامة والشاملة على «اليمن الأعلى» إلا نهاية القرن الثامن الهجري، وذلك عندما بدأت «الدولة الرسولية» تترنح، وهي سيطرة مُتقطعة بفعل التواجد العثماني في اليمن بمرحلتيه المـُـنفصلتين.
ومن هنا يأتي التأكيد أنَّ «الإمامة الزّيدِيّة» حكمت محافظة صعدة وما جاورها، فترة أطول من مثيلاتها من محافظات الشمال، خلال تلك المدة الزمنية الطويلة والمتداولة، والتي تتجاوز الـ «1150» سنة، وتعميم تلك المدة على اليمن ككل مُغالطة تاريخية سمجة، والأسوأ - من ذلك - أن تمر على مسامعنا مرور الكرام.