نحلم بعقل شمولي
الأحد, 08 أكتوبر, 2017 - 10:24 صباحاً
كل هذه السنوات المشبعة بالمغالطات والنفاق، وكل هذه المعانات وأوضاعنا المزرية، والوباء والغلاء والانفلات والفوضى أنهكتنا، كل ما حدث ويحدث في عدن و تعز وصنعاء والحديدة وكل ربوع اليمن، لابد أن يفوقنا ونحمي مصالحنا، إلى متى سيظل البعض مخدوعا؟ لم نعد نطيق البقاء كمستمعين لاسطوانة مشروخة رددت من السبعينات، وها هي تردد: (مرتزقة، عملاء، خونة، متآمرون)، لم تعد تنطلي على الناس أعذار واهية عن المعيقين والعدو القادم من الشمال ليجتاح الجنوب والعكس، كل هذه خزعبلات برهن الواقع أنها من نسيج الفاشلين، والعقول الشمولية كثقافة وسلوك ومشروع، الواهمين على فرض أمر واقع يلبي قناعاتهم المشوهة وليذهب البقية للجحيم، تعددت الأوجه والهدف واحد، أعاقت المواطنة والعدالة والحرية والمساواة، بمنظومة رفض الآخر فكراً ومشروعاً.
هذا وطننا جميعا كان شمالا أو جنوبا، علينا البحث عن آليه لكيفية التعايش فيه بمنظومة الاحتفاظ بحق الآخر، واحترام قناعاته ورؤاه ومشروعه، علينا البحث في لغة مشتركة تقربنا وتصنع ظروف مستقرة ومجتمع منسجم في تطلعات متقاربة في توجهاته وخياراته، يحتاج ذلك وعيا بأهمية الشراكة في وطن يجمعنا، علينا أن نقتنع بان الشراكة ستنقذنا وتنقذ الوطن من مشارف الجحيم.
شراكة تتجسد على الواقع لقيم ومنظومة التعايش وقبول الآخر، واحترام حقه ورؤاه، بل الدفاع المستميت عنه ليمارس حقه بالتعبير دون مصادرة، وعي ينتشلنا من وحل الصراعات والمناكفات والشكوك والعنف، لتنافس منطقي حول برامج ومشاريع ورؤى تخدم الوطن ليستوعب كل مواطنيه بمختلف توجهاتهم ورؤاهم.
العالم اختار الديمقراطية كوعي وسلوك وثقافة وتجاوز كل صراعاته ومحنة، ونحن لازلنا نقبع بصراعات الماضي، نثور ضد الظلم، ثم نختلف لصالح الظالم، في لحظة نتحول من الفعل الثوري إلى فعل فوضوي نغرق فيه بحالات من القلق والاضطرابات، التي تغلق باب التفاؤل بحيث لا يرى الناس بصيص أمل وبوادر خلاقة في المستقبل لحمايتها وانتشالها من حالاتها المرضية الصعبة، فوضى مصدرها تفوق الأنانية والانا بعقل شمولي، لتخرجنا عن الهدف العام والصالح العام والمشروع الجامع لمشاريع صغيرة أنانية ممزقة للكيان مشتته للقوى مدمرة للوطن.
في الشمال والجنوب تكاد تكون العقلية ذاتها، في عدم استيعاب المخاطر، بل المجازفة بوطن وأمة وشعب لأجل مشروع واحد وفكر واحد ورأي واحد، وتجريف كل الأفكار والرؤى والمشاريع بل التاريخ والحضارة والهوية.
نحلم كثيراً، ونرددها شعارات، وعندما تتاح لنا الفرصة لننال قسطا من هذا الحلم، نتعجرف، وتبرز العقلية المتصلبة والمتعصبة، تتساقط أحلامنا وأمام أعيننا، ونفشل حتى في الدفاع عنها، وثيقة العهد والاتفاق كانت مخرج من برثن القوى التقليدية والفساد، اغتالوها واغتالوا فيها أحلامنا، ووجدوا من يصطف معهم، ومن تصدى لهم كان مصيره معروف كمصير كل الشرفاء في هذا البلد المنكوب، وكان الحوار وما أجمل الحوار، وما أروع مخرجاته، أحلامنا وأحلامكم، عبرت عن كل خطابات القادة والأحزاب عن الديمقراطية والمواطنة والعدالة والتوزيع العادل للسلطة والثروة، رسمت طريق تتفوق فيه إرادة الجماهير عن إرادة السلطان والزعيم والسيد والشيخ، كادت أن تسلم السلطة للشعب والبقية موظفين لديه، معروف للقاصي والداني من رفضها، ومن حاربها وحشد ضدها ومن انقلب عليها عسكريا، بكل أوجههم هم اليوم من يعيقون التحول المنشود.
ماذا نقول للذين يرفضون ذلك ويصرون على جر الناس لمزيد من الأزمات والفوضى، ممارسين عنصريتهم وطائفيتهم البغيضة على الآخرين، لا يقبلون بل يتحسسون مما يطرحه الآخر ويعبر عنه على الواقع وكان الوطن لهم وحدهم، هم وكلاؤه وأوصياؤه، هم الممثل الوحيد للأمة، بتفريط بجح بدماء شهدانا الأبرار الذي ضحوا بأرواحهم الغالية وروت دماؤهم التربة الطاهرة لأجل الحرية والكرامة والشراكة، ليعيش الناس في وطن يستوعب الجميع، أين هم من هذا ومشرعهم رافض كل ذلك، مشروع خنوع واستسلام للآخر، ظلم واضطهاد وتعسف، يصنعون فوضى واضطرابات تنتج تداعيات وفعل ينتج رد فعل ثم يستثمرونها متهمين شامتين بالآخر، الشبه واضح في الممارسة يعبر عن ذات العقلية.
العقل الشمولي عقل فوضوي، لا يقبلون الديمقراطية، ولا التعايش ولا الآخر، ولا يعملون من خلال مؤسسات رسمية، يصنعون لهم مؤسساتهم وأدواتهم من خلالها ينشرون الفوضى للوصول لأهدافهم الضيقة من خلال التسلط والهيمنة كقوة شمولية لا تقبل الآخر وترفض الشراكة .
المصدر (يمن مونيتور)