صحفي متخصص في القانون، رئيس مركز البلاد للدراسات و الإعلام
آرون بوشنل "فدائي غزة"!
الثلاثاء, 27 فبراير, 2024 - 03:52 مساءً
كل يوم كان يتابع الطيار الأمريكي آرون بوشنل الجرائم البشعة التي يتعرض لها أهلنا في غزة، كما يتابعها عبد الملك الحوثي، غير أن آرون كان يفعل ذلك بقلب واعي وضمير حي، حتى تراكمت الأوجاع في وجدانه، وتحول قلبه إلى مقبرة لتلك الأجساد الممزقة والأشلاء المتفحمة بالصواريخ التي تصنعها بلاده.
يتضامن الجندي الأمريكي آرون مع غزة من منطلقات إنسانية، لم يفرض حصارا على تعز، أو يرفض فتح الطرقات للمرضى والمسافرين، ولم يتشدق بمشاعره أو يرفع صوره وشعارات جماعته كما يصنع الحوثي بصورة بشعة ورخيصة.
آرون ضابط في القوات الجوية الأمريكية، عمره ٢٥ عاما فاض به الكيل ولم يجد أمامه سوى تحويل جسده إلى فتيل يوقد نار التضامن من أجل غزة وفداءا لأهلها.
خرج هذا الصباح من مكتبه في إحدى قواعد القوات الجوية الأمريكية، يرتدي بزته العسكرية، وألقى نظرات الحقد وقلة الحيلة على الطائرات التي تزود بها أمريكا الاحتلال الصهيوني لتحرق أهل غزة، واتجه صوب السفارة الصهيونية، وهو ينقل رسالته بالصوت والصورة في بث مباشر ملأ سمع الدنيا وبصرها، ولم يجد سوى جسده وروحه ليكون الرسالة المشتعلة وعود الثقاب فداء لغزة واحتجاجا على الوحشية الغربية التي فاقت كل التوقعات وتمادت في طغيانها إلى أبشع حد.
البيان الأخير الذي بثه آرون ، كان عميقا وصادقا وإنسانيا، ويتدفق بالوعي الذي حمل توصيفه للفعل والسلوك الذي أقدم عليه "كاحتجاج عنيف للغاية" وبرر ذلك مع انه فعل خطير على حياته، لكنه استحضر المحرقة البشعة في غزة، واستصغر تصرفه أمامها، وكان فدائيا بحق حيث قال"لكن احتجاجي ليس كبيرا بالمقارنة مع ما يعيشه الفلسطينيون على أيدي محتليهم"، واختار الجهة المستهدفة بالاحتجاج ضدها " لأن قادتنا يريدون أن تكون هذه الجرائم أمر عادي".
أضرم النار في نفسه وهو يصرخ "الحرية لفلسطين" مراراً وتكراراً حتى توقف عن التنفس.
المشاعر الإنسانية مع غزة لا تقبل المزايدة، والمذابح البشعة فوق تحمل اصحاب الضمائر اليقظة، وما فعله هذا الضابط الأمريكي يلعن بجسده المحترق كل من يسعى لتوظيف تضامنه مع غزة من أجل دعاية قذرة، وترويج همجي لذاته أو لمشروعه!.
آرون وقف في وجه القتلة بطريقته، وفي بلده الولايات المتحدة، وببزته العسكرية، ورتبته، ومن الجهة التي ينتمي إليها، وأمام قنصلية دولة الكيان الصهيوني.
القضية الفلسطينة أكبر من تحويلها مادة للمزايدات والدعايات الرخيصة، والإنسانية مشحونة بالتضامن مع أهل في غزة، وآرون ينتمي إلى جيل شاب أحدث تحولا عالميا جذريا لصالح القضية الفلسطينية، وبشاعة الجرائم دفعت هذا الطيار إلى التضحية بنفسه، والتضامن بروحه، فهل سيتوقف الحوثي عن دعايته الحمقاء واستغلاله الرخيص لدماء أهل غزة؟!
وهل ستبلغ مشاعر عبد الملك الحوثي عشر معشار مشاعر آرون؟!
لا نريد منك أن تحرق نفسك، توقف عن إحراق القضية الفلسطينية وكفى، فمهما بلغت خطاباتك، فلن تصل إلى حرف من رسالة آرون المقتضبة.
تأملوا رسالة الطيار الأمريكي القصيرة، ومضامينها العميقة، وقارنوها بالحشو الفارغ والضجيج المزعج، والهدار الطويل لعبد الملك الحوثي، فلا الحوثي سيضحي بنفسه من أجل غزة، ولا حتى خطابه ذو قيمة بحجم حرف واحد لآرون بوشنل.