سُعار الألغام !
الاربعاء, 09 أغسطس, 2017 - 07:32 مساءً
السِّلم هو القاعدة ، والحرب استثناء ، فالحرب لا تتعدى كونها إجراءً عَرَضياً إضطرارياً تقاس قيمته لاحقاً بما يتحقق من سلام .
وعليه فقد كانت تعاليم النبي للجيش الإسلامي دائماً واضحةً " لا تقتلوا شيخاً ولا طفلاً ولا امرأةً ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تقطعوا شجرةً ، ولا تهدموا كنيساً " ، حيث شكّلت هذه التعليمات سياجاً جعل من تلك الحرب تدخلاً جراحياً انتهى أثره المؤلم بوقته ، وغدت تلك الحرب مقدمة لحياة أجمل وأبهى .
سأتحدث هنا عن " الألغام " باعتبارها سلاح لا أخلاقي يتنافى مع المنظومة القيمية للحرب ،
اللغم سلاح لا يزول أثره بانتهاء الحرب ، باعتباره سلاح يستخدم للإهلاك لا للإنتصار .. للإنتقام المتناسل لا للإنتقال من أتون الإقتتال لحديقة الحياة .
الألغام في حرب المناطق الوسطى التي دارت في سبعينيات القرن الماضي خلّفت _ وفق تقارير متعددة _ ما يزيد عن خمسين ألف ضحية نسبة الأطفال منها أكثر من 90 % ! ، ولا تزال هذه الألغام تحصد أبناء تلك المناطق حتى اللحظة .
الألغام تمدد الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب لمدىً زمنيٍّ مستقبليٍّ غير معروف ، ويغدوا من الصعوبة بل من المستحيل استدراك نتائجها الكارثية كلما زادت كميتها في المناطق المكتضة بالسُّكان .
وكم يغدوا تصورنا للمستقبل مظلماً حينما نقف على كمية الألغام التي زرعتها المسيرة الحوثية في ربوع الوطن من شماله لجنوبه ومن شرقه لغربه ، بجباله ووديانه وسواحله وبحره ، ومدنه وريفه ! ،
وإن كانت ألغام حرب المناطق الوسطى قد خلفت كل تلك المآسي ، فما حجم المآسي التي تنتظرنا في المستقبل بفعل سعار التلغيم الحوثعفاشي ، وهو أكبر بكثير كمّاً ونوعاً من سعار التلغيم في حروب المناطق الوسطى ?! .
الكارثة الحقيقية في هذه الجزئية أننا نتعامل مع ميليشيا لا تمتلك أدنى مستوى أخلاقي يمكن التعويل عليه ، ولا أدنى مستوى مهني بحيث نتصور أنها زرعت حقول الألغام وفق خرائط تبين مواقعها بحيث يمكن تدميرها بالمستقبل استناداً لتلك الخرائط ،
سيكون من الغباء التفكير بذلك إذا ما عرفنا_ على سبيل المثال واقعياً _ أنهم استخدموا النساء في زرع العديد من الألغام في الطرق المؤدية لقرى الجوف كطريقة لاستقبال العائدين من المواطنين النازحين إلى تلك القرى ! .
إن هذا السعار المحموم للميليشيات الإنقلابية لزرع مئات الآلاف من الألغام في مناطق آهلة بالسكان كما يكشف عن إحباط وانهزام حربي ، فإنه يكشف عن فقر أخلاقي حاد ، ويظهر تلك الميليشيات كأعداء حقيقيين للحياة ، ويغدوا من المثير للسخرية اعتبارهم مكوناً إجتماعياً طبيعياً يمكن أن يتسنم دولةً تبني الإنسان وترعاه .
ستكون مهمة نزع الألغام من أكثر المهمات تعقيداً وإلحاحاً في المستقبل ، والمنطق والعقل يخبراننا أن لا نتخيل حجم الكارثة هذه ، لأنها فوق الوصف ! .