واقع الإرهاب في عدن
السبت, 18 نوفمبر, 2017 - 06:15 مساءً
عدن اليوم أمُّ ثكلى، تبكي أبناءها ضحايا إرهاب الواقع، ودمائهم تسفك على أرصفة الشوارع، تبكي بختها ولياليها الجميلة المشبعة بالحب والتسامح والإخاء، قهرها على تعايش أطيافها وأعراقها وألوانها الزاهية وما يسر زوارها والمقيمين بها.
تبكي على فخر أبنائها عندما كانت حلما للآخرين، وكان ثغرها باسم، تحكم المضيق وتصل الشرق بالغرب، تبكي من جور الزمان الذي جعل عُصبة من شرار الخلق تعيث فساداً وإرهابا في جنباتها، تبكي جرّاء تحويلها من مدينة وادعة وبسيطة إلى واحة للشر والإرهاب، تبكي من إهمال المعنيين لشكواها وحزنها، ولازلت تذرف دمعا على ضحاياها، والرعب الذي أصابها والخوف المنتشر فيها، تبكي بصمت وهدوء بحزن وألم على كل إنسان سقط على أرضها ضحية للإرهاب.
الصراع بين الخير والشر قائم منذ ألازال ومستمر، الناجحون هم القادرون على تقليص مساحة الشر إلى أدنى مستوى، والفاشلون هم من يتركون الفرص متاحة للشر أن يستفحل، في إيذاء محيطهم ويتفننون في نشر خطاب الكراهية والفتنة، ليتردي الواقع ويتغلغل الإرهاب في متاهة تلك الرداءة، كفكر ضال وعصبة مقيتة، وروح مشبعة بالكراهية والعنصرية، متاهة الظالم في التمادي في ظلمه، والكاره عندما يفقد قيمه ومبادئه، والإنسان عندما يفقد إنسانيته.
الإرهاب حالة مرضية واجدتها ثقافة بادت ثم سادت بضغط الإرث التاريخي والمذهبي بثقله وحمولته وسجالة، ثقل عصبوي طائفي مناطقي مقيت وأيدلوجي ممزق للحمة، مبدد كل الجهود والتطلعات لهذه الأمة المنكوبة، إرث ظل يمثل ساحة حرب، يلوك فيه الفرد ماسيه ومظالمه ملوث حاضره، متمسك بتراث بالي تجاوزته المرحلة والعصر، كئيب وكأب واقعنا في حالة من التشاؤم غير الصحي، والصراع غير المبرر، لشيطنة الواقع، عندما يمثل الشيطان دور الملاك ببراعة، واقع شتت جهود الخيرين وعكر صفو الحياة وأعاق مسار التحول ومجرى حركة التاريخ المتغير.
تصحو عدن على دوي الانفجار يتلوا انفجار، والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة، ليقتل فيها مسلمون آمنون، مسالمون مدنيون، اليوم مهددون برصاص إرهابي الطائش أو حاقد، أو مريض قرر أن يفجر نفسه حالما ببنات الحور، أو مقاول للموت بالدفع المسبق للخصومة السياسية.
مدينة قاومت بشراسة، وانتصرت ببسالة أبنائها، في معظمهم اليوم جنودا وعسكر، في تشكيلات متعددة الأجندات والولاء، شوارعها أطقم عسكرية من كل شكل ولون تسرح وتمرح، في استعراض قوة ضاربة في الطريق لإرهاب المارة، وكم من ضحايا هذا الطيش، بكنية "أبو فلان"، "أبو زعطان"، المحميين والمحروسين بعناية، تاركين الفرص متاحة للإرهاب أن يمارس هوايته لمن لا حماية لهم غير المولى عز وجل.
لعدن سياج أمني متين من النقاط العسكرية، ضعفها في أولوياتها، الفرز بالهوية، ثغرات استغلها الخارجون عن القانون بهويتهم يسرحون ويمرحون، وليس ببعيد أن تكون سيارتهم المفخخة تستقبل بتحية عسكرية في النقطة الأمنية، بجواز مرور الهوية، وتلك مصائب قوما سكنت في عقولها ديدان الماضي.
ذهنية مريضة كهذه، تترك مجالاً واسعاً لثغرات يستغلها الإرهاب ليمارس نشاطه بحرية، الكارثة عندما تقع المصيبة، وتستثمر بشاعتها وضحاياه سياسيا، وتبدأ الآلة الإعلامية تشتغل، المناكفات والخصومة تشتعل، والاتهامات المتبادلة تروج، وتضيع دماء الأبرياء في هرج سياسي سخيف، ونفقد فيه الحقيقة ونتعلق بالإشاعة، ويغيب العدل والإنصاف، ويفلت الجاني من جريمته ليعيد الكرة ويمارس هويته بأريحية، ويعاد المشهد يكرر نفسه مستهبلا بكل من حوله، مستهتر بحياة الناس ودمائهم وأعراضهم، ويسقط الشهيد تلو الشهيد ومن يبالي من قوم مشغولين في الصراع ومواكب الثورة وتلميع الزعيم وهتافات العداء والخصومة الفاجرة لقتل الحياة وإتاحة الفرصة للإرهاب ينهش جسد الوطن، لن يستسلم ولن تستسلم عدن، اللهم ارحم شهداءنا واجعل مثواهم الجنة مع الأنبياء والصحابة والصدّيقين يا رب العالمين.
*نقلاً عن يمن مونيتور