×
آخر الأخبار
لماذا يحتاج الأطفال والكبار إلى قيلولة في النهار؟  لجنة أممية تصف عدوان الاحتلال على غزة بـ"الإبادة الجماعية" مجلس الاسناد الشعبي بأمانة العاصمة يلتقي رئيس هيئة الأركان   وصول 146 أسرة نازحة خلال أكتوبر الماضي الى محافظة مأرب   مصدر يتحدث عن نجاة مواطن وابنتيه من تقطع 5 مسلحين وسط "السائلة" في صنعاء توصيات لتقرير حقوقي بتوفير الحماية القانونية لضحايا تفجير المنازل وتعويضهم مالياً وإعادة إعمار منازلهم منظمة دولية تقول إنّ هناك 12 شخصًا يواجهون عقوبة الإعدام في سجون الحوثيين منظمة حقوقية توثق قمع الحوثيين للمحتفلين بثورة 26 سبتمبر وتقول إنها "جرائم لن تسقط بالتقادم"  مجلس الأمن يمدد العقوبات الدولية على اليمن عاما كاملا السلطة المحلية في الحديدة تدين تهجير الحوثيين لسكان 5 قرى في "الجراحي"
بلال الطيب

صحفي يمني

الحوثيون وتاريخهم الآثم

الإثنين, 11 يونيو, 2018 - 02:58 مساءً

لاعتقادهم أن الله مَيزهم عن الأمم الأخرى، وأنهم أقرب الشعوب إليه، عمل اليهود على تأسيس أول دولة دينية في التاريخ الانساني، تَجسدَّت فيها صورة «الحَاكم المُطلق»، مَبعُوث العناية الإلهية، وهي الصورة ذاتها التي عمدَّت «الهاشمية السياسية» على استنساخها، وما «الإمامة الزيدية» التي أسسها «الهادي» يحيى بن الحسين في صعدة، إلا مثالاً ناجزاً لتلك «الثيوقراطية».

لـ «الهادي» يحيى، عشرات من الكتب والفتاوى الدينية، وهي بمجملها موروث ضخم، أسس من خلاله لمذهب ديني جديد، غلّفه بالسياسة، ولغمه بالعُنصرية، وانحرف به كثيراً عن المذهب «الزيدي» الأم، وجعل الإمامة هي الأصل الأول فيه، وحصرها بشقيها السياسي والديني، في ذرية «الحسن» و«الحسين»، وجعل لها «14» شرطاً مُلزماً.

«الهادوية» كمذهب، لا تتعايش مع مخالفيها إلا باعتبارهم تبعاً، بل وتكفرهم ما داموا لا يخضعون لرؤيتها وتفسيرها الديني للكون والحياة، وحينما وجد «الهادي» تخاذلاً ورفضاً من قبل بعض القبائل اليمنية لدولته «الدينية»، ومذهبه «الإقصائي»، كفرهم بالجُملة، وأعلن الجهاد عليهم، وقال فيهم:
دعـوت الناس كلهمُ لحقٍ
وأكثرهم عن التقـوى يحيد
لأنهم على فسق تـوالوا
ويتبـع ذلك الكفر العنيد
فقلت لهم ذروا كفـرا وفسقا
وخلـوه فقالوا لا نريد

«مؤمنون» و«كفار»، هكذا أصبح اليمنيون في ظل «الدولة الهادوية»، وصار هذا التقسيم بادياً بوضوح في تصرفات وأقوال الإمام المؤسس، ولا أدل من مخاطبته في إحدى معاركه لأحد معارضيه، ويدعى خـاطب بن خلف: «عـلام يقتتل الناس ويلك، بيني وبينـك، ابرز إلي، فان ظفـرت بي أرحت مني الكافـرين، وان ظفـرت بك أرحت منك المـؤمنين».

وقد نقل عنه كاتب سيرته قوله بعد إنتصاره في إحدى المعارك: «والله محمود ما دخل قلبي منهم رعب، ولا أعتددت بهم، وكيف أعتد بهم وأنا أعلم أن الله معي، فإن قتلت فإلى الجنة، وإن قتلت منهم واحداً صار إلى النار»، وحين أراد أحدهم رميه بالحجارة، قال لأحد عساكره: «خذ هذا السهم فارمي به هذا الكافر».

تعدى ذلك التقسيم من هم على قيد الحياة، إلى من قضوا نحبهم؛ وهلكوا في تلك الحروب العبثية، وهم بالآلاف، وفي ذلك قال «الهادي»: «حتى سمينـا من قتله الظالمـون منا شهيـداً، وحكمنا له بالوعد الذي وعد الله الشهـداء، وسمينا من قتلنا نحن من الظلمة كـافراً مُعتـدياً، وحكمنـا عليه باستحقاق الوعيـد من العلي الأعلى».

وضع «الهادي» اللبنات الأولى لدولة «الإمامة الزيدية» في اليمن، إلا أن أحفاده الأوائل اختلفوا وفشلوا في المحافظة عليها، فما كان من أنصارها الذين استقدموا يحيى بن الحسين من قبل إلا أن بحثوا عن وجه «هاشمي» جديد يجدد حضورها، جاعلين من جغرافيتهم المُستلبة قبلة للوافدين الباحثين عن الزعامة والأنصار، وساحة صراع كبيرة، كانوا وما زالوا أكثر ضحاياه.

توالى قدوم الطامحين من أبناء عمومة «الهادي»، لمنافسة أحفاده في الإمامة والحكم، في البدء قدم القاسم العياني، ثم القاسم الزيدي، ثم أبو الفتح الديلمي، ثم أبو هاشم الحمزي، تلقف غالبية أبناء شمال الشمال دعواتهم، وضحوا في سبيل نصرتهم بالمال والرجال، ومن «صيد البراري» بخارف، مروراً بمنطقة «المنوى» في أرحب، وصولاً إلى «قاع الديلمي» بذمار، ثمة شواهد متناثرة، تحكي بأسى فصول تلك المأساة.

طغيان الدولة الدينية أسوأ بكثير من طغيان الحاكم الفرد، قد ينتهي الأخير بموت الزعيم الأوحد، أما الأول فيبقى ما بقيت الدولة، كونه يرتكز على اجتهادات الإمام المؤسس، وتفسيراته الذاتية للنصوص الدينية، والحاكم هنا أياً كان، فهو «ابن السماء»؛ والمحكوم «ابن الأرض», وما على الأخير سوى الطاعة والانصياع، عبادة لله وإرضاء للإمام.

الإمام الطاغية عبدالله بن حمزة، أحد المؤسسين الأوائل لـ «الهاشمية السياسية» في اليمن، ما تزال «كتبه، ومكاتباته، وأشعاره» الأكثر أثراً وآثاراً في الفكر الزيدي، وما تزال سيرته الأكثر ظلماً وعدواناً في تاريخ الإمامة المُظلم، هو مُلهم الأئمة ومنظرهم الأبرز، فهذا الإمام أحمد يحيى حميد الدين في إحدى حواراته الصحفية يعتبره قدوته، ويشبه نفسه به، وهذا طاغية العصر عبدالملك الحوثي، يقتفي أثره خطوة خطوة، ويقلده فكراً وسلوكاً، والمتأمل لتصرفات وخطابات الأخير، يدرك ذلك جيداً.

أقـام «الأئمة» حُكمهم على جَماجم البَشر، وهيـاكل الشعارات الدينية الزائفة، غَـذى جُنـونـه شـوق عـارم للسُلطة والنفـوذ، ورغبـة جَامحة لاستعباد الناس، والتَحكم بمَصائرهم، وحين صـار وجودهم حقيقـة ثابتة، وأصل من أصـول الدين، عملوا على محـو هوية اليمنيين، وطمس حضارتهم، وإثارة خلافاتهم، وتشويه قبائلهم، انعشوا أسوأ ما فيها، وخلقوا لها المبررات العقائدية لجعل «الفيد» دين، و«التسلط» رجولة.

رسخوا في أبناء القبائل التمايز الطبقي، والاستعلاء الفارغ، جعلوهم يحتقرون الأعمال الزراعية، والمِهن الحرفية، والأشغال التجارية، وأصبح الشخص الذي يُمارس «التقطع»، «قبيلي» لا تلحقه أي منقصة؛ فإذا ما أراد أن يأكل «الخُبز الحلال»، مُشتغلاً بأي مهنة، يُصبح «نَاقصاً»، فاقـداً طُهره القبلي، وبالنفسية البدوية العنيفة، والعقلية الشيعية الحاقدة، تدفـق هـؤلاء صوب مناطق «اليمن الأسفل» و«تهامة»، قتلوا، ونهبوا، ودمروا، جهاداً في سبيل الله؛ وإعلاء لراية الإمام.

تعمقت الفجوة، وتوسعت الهوة، لمُجتمع هو بالأصل حافل بتناقضات صادمة، ومُتصارعة، طالما غضضنا الطرف عنها، لتُصبح مقولة «تفرق أيدي سبأ»، اسوأ حقيقة، وأشنع مثال، وما الكارثة الحوثية إلا امتداداً لذلك «التاريخ الآثم»، أطلت بارزة القسمات واضحة المعالم، برهنت لنا وبشدة، أن الخلاف لا حـدود له، وأن القطيعـة لا نهايـة لها، وأن التـوجـس من المُستقبـل له ألف سبب يبرره.

من صفحته على الفيس بوك


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

بلال الطيب