ذنب الخراب
الإثنين, 07 أغسطس, 2017 - 02:00 صباحاً
يخربون البلاد ثم يظهرون باسمين في المولات التجارية.
أي نوع من الآدميين هؤلاء، المجرمون والساسة الذين يتلذذون بقدر الجريمة، وينتفخون بحجم الدمار، وكأن الذي يجري في عروقهم "زيت حارق" لا دماء مثل خلق الله.
نهاية الأسبوع، قام أبي بتوصيل سلك شاشة التلفاز عكسًا من البطارية، كان أبي يتأهب لمشاهدة الاتجاه المعاكس من قبل الظهيرة بتلهف، ذلك أنه مضى وقتًا طويلًا على فتح الشاشة نظرًا لخراب البطارية.
وعندما اشترينا بطارية جديدة، استعجل أبي، أحرق الشاشة والرسيفر، وتلقى عتابًا على استعجاله، وعدم صبره حتى آتي لأحدد السالب والموجب.
شعر أبي بالذنب الكبير، أثناء عودتي من السوق وبيدي الثلج، سمعت صوته يلاقيني من الداخل، يخاطبني ومازلت في الخارج وقبل أن أعرف شيئًا عن العالم الذي احترق داخل التلفزيون: مذيعات الحدث، فنانات الرقص الشرقي، أندر تيكر وجميع المصارعين، الصامدون في قناة المستقلة على مدار التاريخ، الشرعية والمخلوع، الأصدقاء والخصوم، مدن الكرتون من باتمان إلى فتيات القوة، قبل أن أعرف ذلك قال أبي: هيا بسرعة فك الشاشة من الجدار.. شاسرح عند المهندس!.
صلى الظهر سريعًا، كان يشعر بأنه سببًا لخراب الشاشة، مشى إلى المهندس وهو يحمل كيس القات، مؤكدًا بأنه سيشاهد فيصل القاسم في غرفة المهندس.
كان المهندس صائمًا لكفارة موت غير عمد، فقبل سنتين، في بداية الحرب كان يقود "دينا" ذاهبًا إلى عزاء أول رجل قتلته الحرب، وكان في صندوق الدينا مجموعة من الرجال أيضًا، من ضمنهم صديق لي، كان جنديًا في المهرة وقد قطع تذكرة العودة بعد انقضاء الإجازة، كان سيعود في اليوم التالي، التذكرة في جيبه لسفر الغد، وهو في طريقه لعزاء قتيل اليوم.
سقط من صندوق القلاب، ومات على الفور قبل وصول مخيم المواساة.
المهندس كان هو السائق، الذي شعر بذنب خراب الطريق كثيرة الالتواءات، وسيصوم شهرين متتابعين وقد بدأ.
سيعود أبي بعد المغرب وقد قرر: لن أنام إلا بعد رؤية سطوع الشاشة المحترقة.
يفعل ذلك، لا لرؤية الخراب من قنوات التلفزة، ولكن ليعلمنا أن من خرب شيئًا فليبادر بإصلاحه مهما كان مركزه.
في رمضان الفائت، انخفضت عدد الساعات الإنتاجية لبطاريتنا بشكل ملحوظ. كان الناس يتداولون رسالة بالواتس تحكي عن طريقة سحرية لإعادة البطارية إلى يومها الأول. لم يجرب أحد في البلاد بكلها خوفًا من انبعاث غازات سامة.
تقول هيلين كيلر: الحياة مغامرة جريئة أو لا شيء على الاطلاق. قلت في نفسي وقد نبض عرق التنمية البشرية، وفكرت بافتتاح محل لإصلاح البطاريات، الأمر لا يحتاج أكثر من ملح انجليزي وماء حار.
هل تصاب البطاريات باللوزتين؟ فكرت ونحن نذرذر الملح ونصب الماء على الأعين.
كانت البطارية تدوم أكثر من أربع ساعات، وبعد عملية الإصلاح هذه، والجهود الجبارة التي بعثت رائحة غريبة ملأت الأرجاء لثلاثة أيام، صارت البطارية تدوم ساعة وربع.
شعرت بذنب كبير، وكأننا وقعنا في الخيار الثاني يا كيلر: لا شيء على الإطلاق!.
لم أتلق أي عتاب، ولكن شعرت بنظرات الازدراء مصوبة نحوي وقد أصبحت مخربا تحترمه الأسرة مقابل شرائه الثلج في رمضان.
وسمعت أبي يتحدث عن التجربة وهو يحذر الآخرين: معي شجرة رمان صامدة لمدة ثلاثين سنة، لم يقدر عليها العطش، ولم تستطع أن تنهي حياتها الأغنام، وحين صلحنا البطارية جوارها يبست بيومين.
بقيت ساكتًا لشهر ونيف، وكلما تحدث الناس عن البطاريات، حدثتهم عن الأزمة القطرية، وحين استلمت أول حوالة اشتريت بطارية فخرب أبي الشاشة.
لم نخرب بلادًا
وحين سعينا لإصلاحها ابتلعت أخي برصاصة غادرة.
* نقلاً عن المصدر أونلاين