×
آخر الأخبار
مؤسسة "وطن" تقدم قوافل غذائية لجرحى الجيش والمقاومة في مأرب المنتخب الوطني يخسر أولى مبارياته بخليجي 26  "إدارة اليمنية" تجدد مطالبتها بإطلاق طائراتها من فبضة الحوثيين في مطار صنعاء     اطلاق سراح إعلامية من سجون  مليشيا الحوثي في صنعاء برئاسة الوكيل ثعيل .. تنفيذي أمانة العاصمة يناقش خطط العام 2025 "مركز حقوقي" يؤكد العثور على أحد الضباط اليمنيين المفقودين في سوريا منذ 2012    "المقطري" تطالب بإطلاق سراح المختطفات من سجون الحوثيين بصنعاء غارات عنيفة تستهدف مواقع عسكرية للحوثيين في صنعاء "القسام" تعلن قتل خمسة جنود إسرائيليين في مخيم جباليا ‫ تقرير حقوقي: نصف مليون جريمة قتل ارتكبتها عصابة الحوثي بحق اليمنيين خلال عشرة أعوام

رعب الاختبارات.. دعوة للمراجعة والتطوير  (2-2)

الأحد, 08 يوليو, 2018 - 03:39 مساءً

يمكنني تلخيص ما سبق إيراده في الجزء الأول من هذا الموضوع بأن جوهر مشاكل نظامنا التعليمي تكمن في أنه يهتم بالتعليم ولا يركز على التعلم، ولأنه معتمد على المدخل المعرفي فإنه غير قادر على إحداث تعلم فعال لدى الطلبة؛ لأن دوره مقتصر على تقديم مجموعة من المعارف المضمنة في صفحات المقررات الدراسية.
في هذه الحالة فإن عملية التعليم تتمحور حول المعلم وليس المتعلم؛ باعتبار المعلم هو الناقل الحصري للمعرفة التي يلقنها طلبته وعليهم الاستعداد لحفظها وتخزينها بهدف استذكارها وكتابتها على ورقة إجابة الاختبار الذي أصبح أداة التقييم الوحيدة لتحديد مستوى الطالب ونجاحه أو رسوبه.
 
إذاً.. وفق المدخل المعرفي فإن الطالب يتلقى تعليميا معرفيا مكثفا وموحدا؛ لكنه -الطالب- على الأغلب غير قادر على تحقيق التعلم الذي هو بالأساس ثمرة التعليم وخلاصته، ومن هذه الناحية تم تحويل الطلبة إلى أجهزة تسجيل تحفظ المعرفة وتستذكرها وقت الحاجة وتم تعطيل قدرات الإبداع والابتكار لديهم، وأصبح موسم الاختبارات هو الفعالية السنوية التي يتأهب الجميع استعدادا لمواجهتها سلما أو حربا، نظاميا أو غشا، وجل الغاية لدى الطالب والأسرة الخروج منها ظافرين بكتابة ورقة على طاولة الاختبار يترتب عليها حاضر ومستقبل الطالب وأسرته.
 
لقد راجعت كثير من الدول سياساتها التعليمية، ولم تجمع على شيء كما أجمعت على تخلف المدخل المعرفي عن تحقيق تعلم فعال يسهم في النهضة الشاملة للمجتمعات والبلدان، لذلك اتجهت إلى جعل سياساتها التعليمية تتمحور حول المتعلم بدلا عن المعلم لأنه هو المخرج النهائي للعملية التعليمية والعنصر المعول عليه إدارة وقيادة المستقبل.
 
وبالتالي فلقد تصميم المقررات الدراسية وفق منهجية علمية تجعل المتعلم هو الذي يشارك بنفسه في تحقيق التعلم وهو نفسه الذي يشارك في المشروعات العملية التي يتوصل من خلالها إلى المعرفة نفسها التي كان المعلم يلقنه اياها تلقينا.
 
مدخل الكفايات يعتمد على تحديد كفايات أدائية (سلوكية) لكل مستوى من مستويات التعليم، مثلا لا ينتقل التلميذ من نهاية الحلقة الأولى (الصف الثالث) إلى بداية الحلقة الثانية (الصف الرابع) إلا حين يمتلك كفاية: كتابة أو قراءة جملة مكونة من ثلاث كلمات. وهكذا في مختلف المقررات الدراسية يتم الاعتماد على كفايات أدائية يمارسها التلميذ في تقييمه واتخاذ قرار مدى استحقاقه للانتقال للمرحلة اللاحقة من عدمه.
 
بالنسبة لمدخل المعايير فهو يتفق مع مدخل الكفايات في اعتماده على الأداء السلوكي للطالب لكنه أكثر توسعا حيث يضع لكل كفاية (معيار) ولكل معيار (مؤشرات أداء) ولكل مؤشر (شواهد وأدلة).
 
إذاً .. وفق انتقال الأنظمة التعليمية من المدخل المعرفي إلى مدخلي الكفايات أو المعايير أصبحت القدرات العقلية العليا للمتعلم هي المخاطبة بعملية التعليم وتحولت المعرفة من هدف وغاية إلى وسيلة هي المهيء الموضوعي لإحداث التعلم الذي يمكن قياسه من خلال المشاهدة المباشرة لمدى قدرة الطالب على ممارسة مؤشرات التعلم، وأصبح التقييم للطالب أكثر موضوعية، وأصبحت الاختبارات إحدى وسائل التقييم الفرعية التي لا تمثل سوى 10% من نسبة تقييم التلميذ بينما تتوجه النسبة الأكبر نحو أدوات قياس الأداء ومقاييس الذكاء والابتكار والإبداع، بذلك اختفت تلقائيا مظاهر الغش وحالات الاضطراب النفسي لأن الاختبارات في حد ذاتها لم تعد محورية في تحديد مسار الطالب المستقبلي.
 
في المداخل الحديثة انحصرت أهداف التعليم في أربعة أهداف رئيسية: تنمية التفكير الإبداعي، وبناء الضمير الأخلاقي، وصقل الموهبة الخاصة، وبناء المهارات التواصلية والاندماج الإيجابي في المجتمع. لم تعد المعرفة هي المخرج النهائي للتعليم، بل مجرد أداة لتثبيت القيم والاتجاهات وتحقيق التعلم السلوكي، وبالقدر الذي يتطلبه ذلك.
 
أثناء بحثي في الدكتوراة حصلت على مقاييس تقييم التعليم في دول العالم، من أشهر تلك المقاييس (مؤشر دافوس لجودة التعليم) هذا المقياس السنوي يشمل 144 دولة تصدرت فيه سنغافورة دول العالم في جودة وكفاءة التعليم لأربع سنوات متتالية آخرها العام 2017م بينما حلت فنلندا ما بين المرتبة الثانية والثالثة في الفترة ذاتها، عربيا حلت دولة قطر المرتبة الرابعة عالميا والأولى عربيا.
 
  بعد تتبع بسيط لتلك الانظمة التعليمية هنالك مشتركات بينها منها ارتكاز التعليم على المشروعات الفردية للطلبة، فالتعليم الموحد (النظري) لا يتجاوز 30% في اليوم الدراسي ليقوم بمهمة تثبيت القيم الخاصة بالمكون الوجداني؛ بينما المشروعات والأنشطة العملية التي يصطلح عليها (تفريد التعليم) تمثل نسبة 70%، بذلك أصبح التعليم أكثر متعة بالنسبة للطلبة وأجدى فائدة في تحقيق
تعلم فعال يركز على بناء المهارات العملية وإنضاج القدرات الإبداعية لدى كل طالب على حده.
 
في التجربة السنغافورية والفنلندية بصورة خاصة تم فيها تقليل أيام العام الدراسي، وتقليص ساعات التدريس اليومية، والتخلص نهائيا من الواجبات المنزلية، وإلغاء الرسوب لأنها ترى أن الرسوب فيه ظلم على الطالب الذي يتحمل برسوبه فشل المعلم والإدارة والنظام التعليمي!! المفارقة العجيبة أن هذه الإجراءات أنتجت طلبة تصدروا الترتيبات الأولى في اختبارات القياس الدولية، لأنها تخلصت مما يصطلح عليه في علوم التربية (المعرفة المعزولة) والمقصود بها المعارف التخصصية الدقيقة المحشوة حشوا في مقرراتنا الدراسية والتي لا يحتاجها إلا المتخصصين في كل علم على حده بينما لا يمارسها الطالب ولن يستخدمها في حياته العملية بل انها تسهم في تسرب الطلبة من التعليم. لقد ركزت تلك الأنظمة على نوع التعليم المباشر لا على كثافة المقررات الدراسية.
 
لن يتمكن نظامنا التعليمي من تحقيق الكفاءة الداخلية وإنتاج مخرجات تعليمية مؤهلة لقيادة المستقبل، ولن يتخلص من المظاهر السيئة التي ترافق عمليات الاختبارات ولن يحد من نسب تسرب الطلبة من المدارس وتعاظم الحالات النفسية، ولن يستطيع تحقيق اتزان شخصية المتعلمين وكفاءتها للبناء الفكر
 


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

د. عمر ردمان