صحفي واعلامي يمني، كاتب روائي
الحوثي.. وامتحان القامة الملعونة
الثلاثاء, 19 فبراير, 2019 - 04:38 مساءً
ذات مرة قرأت حكاية ظننتها تنتمي الى عالم الأساطير، تتحدث عن طاغية غربي مصاب بداء الفرعنة، جعل من قامته امتحانا داميا للشعب، حيث كان يأمر بإحضار أحدهم ومده على السرير، فإذا كان أطول منه أمر بقطع النسبة الزائدة، وإن جاء اقصر من قامته أمر بسحبه من الرأس والقدم حتى الموت.
نسيت الحكاية على غرابتها، أو ربما نسيتها لغرابتها، حتى جاء الحوثي عبدالملك، وجعل من قامته ابتلاء للشعب اليمني، ومن فكره معيارا للفكر الذي ينبغي له أن يسود.
ودخل الشعب في متاهة الفرز، وطاحونة القامة الملعونة، فالحوثي ابتداء يرى نفسه إنسانا فوق العادة، وبشرا مميزا حاباه القدر فجعله ضمن عائلة خلقت لتحكم من ينصاع لخرافتها، وتفترس من يعارضها.
وما إن واتته اللحظة المناسبة، لحظة وقوع اليمن في عراء الوهن والتيه حتى كشر عن أنيابه، وحدّ مخالبه، وأعلنها صريحة بأنه هو المستحق لحكم الشعب، بمنطق المدفعية، وتفويض السماء، وصار لزاما على الجماهير أن تخضع لامتحان قامته، ومتطلباته مخططاته العبثية، فإن لم تكن هاشميا مؤيدا، تحتم عليك ان تغدو تابعا ذليلا، وفقاسة لتفريخ المقاتلين في سبيل توطنين سلطته، وإن لم تكن هذا ولا ذاك فالتهم جاهزة، والاحكام معدة سلفا، وليس لمثلك أن يمتلك ترف التفكير في الخيارات، فأنت: داعشي، تكفيري، مرتزق، خائن للوطن، وكلها تهم تبيح له دم المعارض، وأملاكه، ومتاحات حياته.
إن ولوغ الحوثي في دم اليمنيين ليس نزوة عابرة، أو خطأ في تقدير الموقف، أو غبشا في الرؤية، بل هو عقدة، وعقيدة يتقربون بها إلى الله –بزعمهم- والعقيدة تلد التصور، وتصورك للناس من حولك يحدد طبيعة موقفك وسلوكك تجاههم.
والحوثي كامتداد للكهنوت الإمامي القديم الجديد، معجون بطحين العنصرية، يعتقد أنه ابن ماء السماء، وأنه فوق مستوى الشعب اليمني بتسع درجات على مقياس الهاشمية السياسية، وأن الحكم بعض حقه، والتحكم في أرواح الناس وأرزاقهم جزء من صلاحياته، وبالتالي فهو يرى الشعب طبقة دون مستواه خلقها الله لخدمته والترويح عنه، وليس من حق أحد أن يعترض على ذلك أو يعارضه، ومن يفعل فالقتل أولى به.
وهو في هذه النقطة بالذات يلتقي في الجنون الدموي مع السلطة المطلقة لسيد القبيلة البدائي الذي كان يتحكم في رقاب الناس، ومصائرهم، ويتخذ منهم قرابين لنزواته، ولحظات تعبده المنحرفة، حيث كان أحدهم حين يريد التواصل مع الله، يأتي بأحد عبيده ويحمّله رسالته إلى السماء ثم يقطع رأسه لتحلّق روحه عاليا، كسفير فوق العادة، وليس من حق أحد أن يعترض على طقوس تدينه.
إن خطر الحوثية اليوم لا يقتصر على الانقلاب وهدم مقومات الدولة والسطو على مؤسساتها بل يتعدى ذلك بكثير، حيث صارت انتفاشته امتحانا صعبا لأمن اليمنيين، وحياتهم، وأفكارهم، وثقافتهم، وسلوكهم، وهويتهم، ونسيجهم الاجتماعي.
وما لم يتبلور اليوم مشروع مواجهة شاملة لهذا الوباء السرطاني على مختلف الأصعدة والمجالات فإن الخطر سيتعاظم، والكارثة ستتع، وسيتحتم لحظتها على الجيل القادم أن يدفع ضريبة تقصيرنا مضاعفة من دمه، وماله، وجهده، ووقته، وهي ضريبة لا نرضاها لأطفالنا، وليس أمامنا إلا أن إلا أن ننتصر في معركة صراع الإرادات مع الفرعنة، والعنصرية، والانقلاب.