أنين المدينة المنكوبة (2)
الثلاثاء, 26 مارس, 2019 - 05:39 مساءً
جلست على الكرسي ،واستعدت أنفاسي المتقطعة، وأمسكت بيداي المرتعشة، وبدأت تسير في مخيلتي صورة الرجل المقهور،تذكرت قول الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" اللهم إني أعوذ بك من قهر الرجال، أنا شاهدت القهر يارسول الله بأم عيني اليوم في أحد شوارع المدينة المنكوبة.
في زحمة الخط، ووسط الظهيرة، كنت في الباص وكان السائق يستبشر خيراً عندما يلوح له الركاب، فلاعجب هو يبحث عن رزق لأولاده، في ظل انقطاع الراتب، والتلاعب بالعملات الأجنبية أمام العملة المحلية، وغلاء الأسعار، وتكدس السوق السوداء للمشتقات النفطية من قبل هوامير المليشيات الانقلابية.
مضى الباص كم كيلو في خط المدينة، كنت أنا وامرأتين بجواري، أخذنا الكلام عن الزحمة والعجالة، وعن المليشيات التي شوهت لون المدينة، ولا أخفيكم كنت أجيبهن بالإيجاب وإيماء الرأس، والصمت تارة أخرى، والحسبلة "حسبي الله ونعم الوكيل" أيضا تارة، تهرباً من الإجابات فصمتي الممتعض لا يطيق الحديث عن هذا ،لأني أدرك تماماً ماهو مآل من يعترض هؤلاء الناس.
بينما نحن مستغرقات بالحديث إذا بسيارة نوع "هيلوكس" تدك خلف الباص، ونحن في أخر كرسي، وسط زحمة بالخط غير عادية، جميع الركاب تنبهوا أن الغلطان هو صاحب الهيلوكس، توقف الباص فجأة ،والتفت إلى الخلف ماهي إلا غمضة عين وانتباهتها، حتى أننا لم ندرك ما حصل بالضبط، إلا ووجدنا ثلاثة مسلحين وقفوا الخط بأكمله، وأشهروا بنادقهم صوب الباص.
أصاب الركاب الذعر، وكان أشدهم هلعاً النساء، وكنت أنا اتشبث بمن هن حولي حيث كنت أوسطهن، وفي جبروت وعجرفة تكسوا ملامح المسلح الحوثي، مد يده وهز برأس الرجل "سائق الباص" حتى كاد أن يخلع رقبته، والرجل يحاول إخباره أنهم هم الغلطانين ،حيث أن الخط زحمة وهم الذي في الخلف وكانوا مسرعين في خط مزحوم.
دون جدوا استمر الاعتداء على السائق، والتهديد بالقتل، وهو يحاول أن يخصل نفسه، ثم تركوه وعادوا لسيارتهم، التفت للركاب وقال بلهجة الموجوع المنكسر أنتم شهود أمام الله، إن هؤلاء قتلة ظالمين، ونحن يتملكنا الخوف، لأنهم مازالوا خلفنا، يلاحقون الباص ويتحينوا الفرصة حتى تخف الزحمة.
سار الباص خطوات، قليلة حتى تجاوز زحمة الجولة، وفجأة لم أكن أعرف أنهم ما زالوا يلاحقون الباص، حيث انشغلت بتطمين النساء حولي، وفي الحقيقة أنا أشدهن قلق وخوف، لكن لا أظهر ذلك، اعترض الهيلوكس الباص مرة أخرى، وزاد خوف الركاب حتى قرر جميع من في الباص المغادرة، تاركين السائق يواجه مصيره منفردا.
رد السائق خلاص الله معكم، بس هل ممكن تحاسبوني، قالها منكسراً لأنه لم يوصل الركاب إلى حيث مقصدهم ، مد الجميع بالحساب، وأسرعوا خائفين خشية أن يتم اطلاق الرصاص الحي، والشارع مكتض بالناس والسيارات.
اسرعتُ خطاي صوب الخط الأخر قلقة خائفة متوقعة أي رصاصة ربما تلحق بي، وصعدت باصاً أخر غير اتجاه الباص الأول هرباَ من حدوث شيء.
تمنيت لو أن الأرض انشقت وابتلعتني، ولا أترك مسلم يُظلم وأنا أشاهد خرصا، مكتوفة الأيدي ترتعش غضباً، ابتلعت غصة القهر أنا أيضا، ومضيت لدربي، وقلت في نفسي، لرجل رب يتولى أمره، فنحن نعيش في غاب تحكمه مليشيات.