عقدة الكهف
الخميس, 04 يوليو, 2019 - 08:30 مساءً
ما سنخرج به بعد سنوات من الحرب, هي العقدة فقط, ندور حولها, كأننا في حفلة زار لا تنتهي, عقدة الكهف هي ما سيطلق عليها هذه المرة.. في القدم كانت العقدة اليزنية, التي تسببت في جروح لم تندمل حتى اللحظة, سبب كل ذلك التصلب في الرأي والعزة بالخطأ, وعدم السعي للاعتراف به أو تصحيحه, في الأسطورة, أن عامر بن ميزيقيا, حين علم بانهيار السد احتال على الناس, وباع كل ما يملكه بطريقة اهتدى لها بعد تفكير, لأنه يعلم بأن القوم لن يصدقوه, وسيسخرون منه, جعل أحد فتيانه يخالف أمره ويرفع صوته عليه أمام الملأ, فكان ذريعة له للمغادرة, أرجو أن لا يتحقق ذلك, على الرغم من وجود معطيات على الأرض تدلل على أن العقدة مهيمنة, بشكل لا يصدق..
فصالح, الرئيس السابق مس قبل أعوام بذلك, تخندق في أسوار حنقه, عاش ما يقرب العامين مكبلاً وراء مكيدة دبرها بليل, سلم كل شيء للحوثيين القادمين من الكهف, حتى أسلموه للموت دون مقاومة, مستسلماً لكل شيء, وإن قاوم فهي مقاومة لن تفيد, فقد خربت "مالطا" كما يقال في المثل, وانهار كل ما كان يظن بأنه سيحميه من التيار الذي سيجرف غيره وسيبقيه هو فقط, لكنه كان عبرة, وعبر التاريخ لا تأتي سهواً لكنا قوم لا نتعظ كثيراً من ماضينا..
عقدة الكهف, ليست بجديدة, لذا لم نصب بالصدمة, نتعايش مع الأخطاء, نستسلم لها وكأنها قدر جميل, تدل على ذلك أحوالنا, تحيزاتنا, يأبى الكثير منا المغادرة, مغادرة تموضعات المرحلة بسهولة, سواء كانت تموضعات سياسية أو عسكرية, أو حتى اقتصادية, ففي يوليو من 2015 تحررت عدن من الانقلاب الحوثي/ صالح حينها, لكنها ظلت كما هي, بل زاد وضعها العام قتامة, بعدها تبعت محافظات أخرى, لكنها ظلت في مربعات متشابهة, لم ينجو أحد بتاتاً, وإن حاول البعض تصوير بعض المناطق, في أنها يوتوبيا, أو جنة جديدة والواقع يكذب كل ذلك.. فالمتابع لمنشورات نبيل الصوفي كمثال لما يحدث فلا يظن أن المكان القابع فيه, سواء كان المخأ أو الخوخة في الساحل الغربي من اليمن, أو حتى عدن بأنه يعيش جنته, إنما يتربع خلف رأيه ويتصلب فيه, الأمور هناك ليست في مكانها الطبيعي, إنما هو تصوير للعكس تماماً, يكتب ليس للمواطن العادي, الذي أصبح مهموما بنزوحه, بطعامه وشرابه, بحياته التي أصبحت معرضة للموت في أي لحظة, وتحت أي خطر, منها الألغام أو المتفجرات والقذائف أو حتى رصاصة طائشة, قد تأتي من ناحية أي مسلح, فالأمكنة تغص بهم, والأرض تضج بغرائبية عما يحدث, ومع ذلك تلاحظ أن الصوفي يعيش وهمه ويوزع صكوكه, تلك الصكوك التي ليس أقلها من يكون صالحاً للحياة؟ ومن لا يستحقها, من هو الوطني ومن هو العميل, الذي يجب أن يرشق بالحجارة والأحذية, وهو السلوك الذي يجده العملاء في الشعوب الحية عند أية نقطة لثورة أو انتفاضة..
هناك من يقول لنا بأن بلدنا جوهرة, ومكانها استراتيجي, لا نصدق, فقط نردد ما يقال لنا بغباء وخفة عقل, هي العقدة التي تدل عليها أعمالنا وتصرفاتنا المطيلة للشتات والتشرذم والانقسام, والمبدعة في اختلاق العداوة, وصنع المؤامرات, وحبكها, أصبحنا في شتات ومناف, وإن كان أكثرها داخلية, لا نختلف كثيراً عن الشعب الفلسطيني, شتات جربه آباؤنا من قبل, وثقته أشعار الرائي عبدالله البردوني في زمن ليس بعيداً, كما وثقته كتب التاريخ في أزمنة غابرة, جعلت كل شيء قابلاً للانتهاء.
بلادنا يكاد يكون البلد الوحيد في العالم الذي لا يحفظ أو يصون تاريخه المادي, التاريخ لدينا فرصة للثراء أيضاً, كما هو النضال أو المقاومة إلا ما ندر, التاريخ لدينا كنز, الكل يسعى لأن يتملكه وحده, حتى النبي محمد في هذه البلدة الطيبة يشبه التركة التي هي من حق بعضهم, يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم, أو هكذا صورت لهم عقدتهم غير القابلة للتفكيك, أو لنقل كذبتهم غير القابلة للتصديق, إنما يصدقون عقدتهم ويسعون وراءها بكل ما أوتوا من قوة, وإن أتوا على كل شيء, وجعلوا من الأرض كلها خراباً ويبساً من دونهم, أعود فأقول لم يسلم التاريخ من عقدتنا الكهفية, الساعية للدمار, التي تراه فقط مقتنيات ذهب وفضة وتماثيل, تعكس طبيعتنا وعقليتنا ونفسيتنا الباحثة عن الثراء السريع دون جهد, لا وقت لدينا للإنتاج واستثمار موقعنا وتاريخنا الممتد إلى آلاف من السنين قبل الميلاد, التاريخ الذي لو وجد عند شعب غيرنا, لاكتفى به كثروة قومية, أما نحن نكتفي بتحطيم كل شيء نصل إليه, ندمره, نحيله تراباً وشتاتاً وعقداً ليست أقل من عقدة وجودنا على هذه النقطة التي سميت تيمناً بالسعيدة, ولا سعادة فيها إلى اليوم.