×
آخر الأخبار
 مجلس القيادة يناقش إجراءات معالجة العملة الوطنية 8 سنوات من الحصار.. أهالي جمعية الفرقة السكنية في صنعاء يشكون ظلم وفساد الحوثيين  الوحدة التنفيذية في مأرب: تصريحات الوكيل "محمود صالح" عارية عن الصحة ومغايرة للواقع الميداني الخارجية الأمريكية تناقش مع "مسقط" قضية موظفي سفارتها في صنعاء المحتجزين لدى الحوثيين  رئيس الوزراء يوجه بإلغاء أي إجراءات تستهدف نشاط نقابة الصحفيين اليمنيين "الغذاء العالمي" يعلن عن حاجته لـ1.5 مليار دولار لتمويل أنشطته في اليمن  منظمات حقوقية تدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الأطفال في اليمن مراكز المعاقين في صنعاء تؤكد الاستمرار في الاضراب الشامل صحة غزة: مستشفيات القطاع ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة  بن دغر: لقاء الإصلاح واللواء الزبيدي خطوة إيجابية لمصالحة وطنية شاملة

الشّقيقان حوذان

الثلاثاء, 15 أكتوبر, 2019 - 04:27 مساءً

قبل ما يزيد عن السّنة ونصف السّنة، كان محمود حوذان، شاب من محافظة حجّة، ماضٍ مع رفاقه من منتسبي الجيش الوطنيّ في مهمّة استعادة الوطن من ناهبيه. وكان يومها بإحدى جبهات محافظة الجوف، حين أعلموه بأنّ الميليشيا الحوثيّة اختطفت أخاه الأكبر، أحمد حوذان، من أحد شوارع صنعاء. لتضاف إلى كاهل محمود، إلى جانب مهمّة تحرير الوطن، مهمّة تحريرٍ ذات طابعٍ شخصيّ: تحرير أخيه من سجون الميليشيا.

ولأنّه كان يشهد، مثل الجميع، ذلك الجحيم الهائل الّذي تسكبه الميليشيا على المختطفين، يشهده في أولئك الّذين خرجوا من السجون بعمليات تبادل الأسرى، يرى كيف أنّ بعضهم خرجوا مشلولين وبعضهم مشوّهين، ويقرأ تلك الأخبار لبعض المنظمات الحقوقية وهي تفصح ما بين حين وآخر عن موت مختطفٍ ما، مهروساً تحت آلات التعذيب الرّهيبة، لأنّه كان يشهد كلّ ذلك، صار تحرير أخيه هو هاجسه الدّائم.

يعلم أن لا ذنب لأخيه وأنّه مسجون دونما جريرة، ولكن متى سجنت الميليشيا سوى خيرة اليمنيين؟! وهل من شأن ميليشيا انتهبت السُّلطة انتهاباً أن تعبأ بالمسوّغات القانونيّة لأفعالها؟!

وفقط بعد مضيّ ما يزيد عن السّبعة عشر شهراً، قضاها أحمد يجترع عذابات أكثر السجون وحشيّة، تمكّن أخوه محمود، بعمليّة نوعيّة، من أسر مقاتل حوثي ينتمي للعائلات الهاشمية، ليقايض الحوثيين بالإفراج عن أخيه مقابل هذا الأسير الثمين لديهم!

نعم، هكذا تمضي الأمور. تختطف الميليشيا المواطنين من بيوتهم، من شوارعهم، من قراهم ومدنهم، لتقايض بهم أسرى اُقتيدوا من جبهات القتال وأسلحتهم تتدفّق حِمماً!

وتمّت عملية التبادل قبل أسبوعين. لكن حتّى بعد هذا النّضال الدّامي، لم تشأ الأقدار إنهاء المعاناة عند هذا الحدّ. فطالما وأحد طرفيّ هذه القضيّة هي الميليشيا الحوثيّة، فلا بدّ من إضفاء الطّابع التراجيديّ على كلّ شيء، حتى على تلك النّهايات الممزوجة فرحاً وألماً. وهكذا كان لا بدّ من أن يتعرّض البطل محمود، في طريقه للقاء أخيه، هذا اللقاء الّذي انتظره على حصيرٍ من الجمر كلّ هذه الشهور، لعمليّة قنصٍ. رصاصة في الرّأس دخل على إثرها المشفى.

وبهذا نجحت الميليشيا، كعادتها، في تحويل كلّ ابتسامةٍ ليمنيٍّ، حتّى تلك الابتسامات المُتعَبة، إلى غصّة، إلى جحيم.

لم يهنأ أحمد خروجه من ظلام الزّنازين إلى شموس الحريّة. فقد نجح السجّانون في أن ينسجوا له سجناً أكثر ظلاميّةً: سجنوه في خوفه على مصير أخيه طوال أسبوعين عاشها يتلمّس رحمات السّماء ورأفتها. على أنّه لم يهن، لم ينكسر، لم تندّ عنه حتّى صرخة الآه. إنّه ممتلئٌ بإدراكه لطبيعة هذه المعركة، معركة انعتاق اليمنيين من أسار الإماميّة الأخيرة، وبتوقّعه المُسبَق لما تتطلّب هذه المعركة الكبيرة من تضحيات.

وبالأمس استشهد البطل محمود. لفظ آخر أنفاسه في المشفى، راضياً، مطمئنّاً. مات كما يموت الأبطال، فادياً لأرضه وأهله. ومطلع الأسبوع الجاري شيّعناه في مأرب، يتقدّمنا شقيقه أحمد، والّذي بدا بدوره راضياً وفخوراً، فخوراً بهذه المسيّرة البطوليّة الزّاخرة بالنّضالات المشرقة. وكأن المرء يلمح في عيون المشيّعين هذا القول: "التضحيات كبيرة، والجميع على استعداد لدفع ضريبة التحرير عن رضىً تامٍّ، والجميع أيضاً لا يحتاج حاليّاً ما هو أكثر من التمثيل المشرّف من قِبل الشرعيّة لكلّ هذه الأثمان واستثمارها في صناعة اختصارات ذكيّة وناجحة، كي لا يستمرّ الشّعب اليمنيّ في هذا النّزيف لما هو أبعد".


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

عبدالله شروح