عن "المولد" المختطف على الطريقة الحوثية
الأحد, 10 نوفمبر, 2019 - 03:17 مساءً
لطالما كان إحياء المولد النبوي تقليداً متبعاً لدى الصوفية وبعض الشافعية في اليمن كما في دول أخرى، كمناسبة روحانية تتبناها أسرة ميسورة الحال -هاشمية أو غير هاشمية لا يهم- في بعض القرى تقوم بذبح ما تيسر وإطعام الضيوف والجوعى مساءً غالبا ثم يتم إحياء ليلة المولد بأناشيد وأهازيج صوفية تستمر لساعتين إلى ثلاث ساعات.
رسمياً على مدى عقود كانت وزارة الاوقاف تحيي فعالية المولد بمحاضرات دينية لمجموعة مشايخ في أحد المساجد الشهيرة بصنعاء تبث في الفضائية الرسمية، وأحياناً تعرض الفضائية اليمنية فيلم الرسالة وكان الجدل مستمراً حول إجازته حتى ألغيت، وينتهي بخبر تبادل تهاني قادة الدول بالمناسبة.
ولم يكن الاحتفال بالمولد النبوي يدخل ضمن المناسبات التي تحظى باهتمام زيدي ولا ضمن مناسبات الشيعة الذين يعلون مناسبات تكرس التبعية واحتكار السلطة والولاء كالغدير وعاشوراء ومواعيد وفاة أو ميلاد الأئمة.
تقليد الحوثية والشيعة هو الاحتفاء بالمناسبات التي يسوغونها لتأييد رغبة الاستئثار بالحكم التي يوظفون لأجلها الدين وفلسطين وكل ما يمكن استغلاله من قيم وقضايا ذات إجماع ومغزى محلياً واقليمياً لمغازلة العامة بالقضايا الإسلامية والقومية كغطاء للمشروع الطائفي العنصري.
يفصلون المناسبات لخدمة الأجندة السياسية والمشاريع الطائفية، حسب وضعهم وحاجتهم متمردين أو حاكمين، فلطالما كانت عاشوراء مناسبتهم للثورة على الحاكم الظالم طالما كانوا متمردين أو معارضين.
لكن بعد أن يصلوا السلطة يحرمون على غيرهم الثورة والانتقاد وحرية التعبير والمعارضة ويعتبرونها خيانة وارتزاق ومؤامرة على الثورة، إذ يقدمون سلطتهم باعتبارها ثورة دائمة إلى حين تحقق خرافة المختبئ بسردابه على الطريقة الإيرانية بما يوفر مبررا لقمع أي ثورة على الثورة الخالدة.
كذلك يعلون شأن الغدير لأنهم يكيفونها كمناسبة تؤكد الحق الإلهي في الحكم.
ولأن محمداً ارسل رحمة للعالمين ولم يورث، لم يكن ليعني لهم شيئا بنزعتهم الانتهازية تجاه تطويع الدين ورموزه لخدمة حق الجهل في السلطة دون معايير حضارية وإنسانية.
فمتى بدأت ميليشيات الحوثي تحب النبي وتحتفي بمولده؟
بدأت جماعة الحوثيين عام 2012 تستقطب وفودا من المناطق اليمنية ذات المذهب الشافعي السني لتغازلهم بمحاولة عمل معادلة بين حزمة المناسبات الطائفية الشيعية ومناسبة سنية واحدة كان الصوفة والشوافع يحيونها بالذكر والصلاة على النبي واطعام الجائع.
سياسيون وناشطون ومشايخ يمنيون كانوا مهووسين بالموالد سواءً في حضرة القذافي او غيره، فكان المدخل للحوثي لإظهار تسامحه وانفتاحه على مناسبات الآخرين على عكس "الوهابية" التي تعتبر حفل المولد بدعة، ليبدأ موسم الحج إلى صعدة في إحياء أول مولد عام 2012 ثم 2013 حين كان الاحتفال يقام في صعدة.
وجد الحوثي في عشاق المولد بعداً أكبر استمرأه خصوصا بعد السيطرة على صنعاء، فإضافة إلى طمأنة المجتمع الشافعي السني بعدم طائفيتهم وأنهم يحبون رسول الله، غدى للمولد بعداً آخر.
حشدت الميليشيات كل طاقاتها لإجبار الناس على الاحتفاء بالمولد قسرا وإرهابا غالبا وعممت سماتها وألوانها الخاصة ذات المنشأ الإيراني على الاحتفال بطريقة لم يعهدها اليمنيون من قبل بدءً باللون ووصف الرسول الأعظم وانتهاءً بتعميم اللصوصية واضطهاد المخالفين.
توظف ميليشيات الحوثي هذا الحضور والطغيان للألوان والحشود لاستعراض شعبية هي أكثر من يدرك أنها زائفة مدفوعة بابتزاز الناس وارهابهم بلقمة عيشهم ومصادر ارزاقهم وتجارتهم وفي أمنهم وحياتهم ومستقبل أطفالهم، ولتصور الأمر للعالم أن الناس هناك على كلمة واحدة خلف وكلاء إيران.
كذلك -وهو الأهم لقيادتها- تستعرض أمام إيران لإيصال رسالة أن وكيلها في اليمن أصبح من النفوذ بمكانة أهلته لأن يقود السنة وليس الشيعة فقط كما وكيلها المعمر في الضاحية.
وفي بعد آخر أصبح المولد الذي يمتد التحضير له شهرا كاملا تقريبا موسما عظيما لجني الارباح وتعظيم الثروات لقياداتها اللاهثة وراء النهب واللصوصية والمال الحرام وبعلم وتوجيه القيادة، وبدون رادع من حياء او دين او ضمير أو انسانية.
يحتفلون بمولد النبي على طريقة اللصوص.. والعبيد..
من نقاء الصوفية وتعافي الشافعية إلى سلوك الانتهازية والعربدة واللصوصية.
ومن الكرامة والإنسانية وتعظيم الدين والتوسعة على الناس إلى الابتذال في اللصوصية والإرهاب وإعلان الولاء للعنصرية التي تسعى للاستحواذ والتحكم بكل شيء من مصالح الناس ومصادر ارزاقهم إلى القيم والمعاني الدينية.
إنه احتفال بمولد الرسول على الطريقة الحوثية فقط، وحري بالعقلاء أن لا يجعلوا من رسول الله مادة للسجال حول تلك الطريقة..