الأخبار
- أخبار محلية
اليمن قبل ثورة 26 سبتمبر.. مشاهد البؤس والشقاء تحاول إعادة نفسها من جديد
العاصمة أونلاين - سبأ
الثلاثاء, 26 سبتمبر, 2017 - 04:02 مساءً
تعيد حالة التردي الشامل الذي تعشيه العاصمة صنعاء اليوم، تحت سلطة الاماميون الجدد، من مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية، الى الاذهان صورة مقاربة للوضع الذي كانت عليه البلاد تحت نَيْر الحكم الامامي المتخلف قبل قيام ثورة 26 سبتمبر في عام 1962م، كما عكستها كتب التاريخ ومذكرات المناضلين الاحرار.
وها هو الشعب اليمني بعد 55 عاما من اجتثاث ذلك النظام الكهنوتي المتخلف، يستكمل التخلص من النسخة الاخيرة لبقايا الامامية، التي حاولت ان تطل برأسها وبدعم ايراني، للانقضاض على كافة مظاهر النظام الجمهوري، واحياء النظام السلالي بكل تفاصيله الاستبدادية والطائفية والكهنوتية والعنصرية البغيضة، لكن هيهات ان يتأتى لها المجال لتنفيذ مشروعها، في شعب شب عن الطوق ولن يقبل الا العيش حرا كريما، وسيسحق كل من يسعى لسلب مكتسبات ثورته السبتمبرية الخالدة.
فلم تكن ثورة 26 سبتمبر مجرد ثورة ضد شخص الإمام أو نظام حكمه فقط، وإنما ثورة ضد مخلفات فترة زمنية تتجاوز الألف ومائة عام من تاريخ اليمن (حوالي إحدى عشرة قرناً) هي إجمالي سنوات الحكم الإمامي الكهنوتي العنصري المستبد، الذي كاد أن يطمس التاريخ الحضاري لليمن الضارب في القدم، لولا الثورة السبتمبرية التي أعادت لليمنيين وطنهم وهويتهم وتاريخهم وحريتهم وكرامتهم.
والتدهور المريع في الاوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والخدماتية الذي تسببت به مليشيات الانقلاب، يعيد الى اذهان اليمنيين من جديد، حياة البؤس والشقاء والحرمان، حين كانت البلاد " "بؤرة للوباء المميت"، حد تعبير الروائي اليمني الكبير زيد مطيع دماج في رائعته "الرهينة" التي تمثل تصويرا واقعيا لأوجاع اليمنيين في منتصف القرن الماضي.
حتمية التغيير..
تذهب الطبيبة الفرنسية كلودي فايان التي وصلت لليمن قبل اسقاط النظام الامامي بنحو عشر سنوات، الى ان المقارنة بين حال اليمن وحال البلدان الأخرى في ذلك الحين، تقذف باليمن بعيدا في أزمنة التاريخ الأولى إلى "ظلام العصور الوسطى"، باستثناء الأسلحة النارية وبعض سيارات النقل والعربات القديمة لا يبدو أنه كانت هناك ثمة تغييرات لقرون خلت، فيما يقول الضابط والمؤرخ العسكري البريطاني السيد ادجار اوبلانس، في كتابه "اليمن، الثورة والحرب "، واصفا الحال الذي كانت عليه البلاد تحت الحكم الامامي، عندما زارها للمرة الاولى في العام 1948.
كان انطباع اوبلانس، وهو ايضا صحفي متخصص في العلاقات الدولية انه "إذا ما كان هناك بلد مهيأ لثورة وتغيير سياسي أكثر من غيره فهو اليمن بلا جدال".
الارض المحرمة..
وعلى مدى سنين حكمهما التي استمرت 44 عاما فرض الامام يحيي حميد الدين ومن بعده نجله احمد طوقا من العزلة المطلقة على اليمن، ما جعل الرحالة الألماني السيد هانز هولفريتز/، يعتبرها "أكثر زوايا العالم جهلا لدى سائر الناس في أنحاء المعمورة"، ولم يكن بإمكان أي إنسان إن يدخل إلى البلاد إلا بموافقة الإمام شخصيا، وكان السفر إلى الخارج محظورا على أهل اليمن حظرا باتا".
ظل الله في الأرض..
كرس نظام الإمامة السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية بشخص واحد هو الإمام، ووضع في يده السلطة الدينية والدنيوية، فالإمام هو كل شيء ويعمل كل شيء، وكان "الإمام هو الدولة والدولة هي الإمام "وبهذه العبارة يختزل الدكتور احمد عبيد بن دغر، في دراسة أكاديمية له عن "اليمن تحت حكم الإمام احمد" فكرة الدولة ونظام الحكم الامامي الاستبدادي.
ويوضح بن دغر (يرأس حاليا الحكومة الشرعية)، انه بموجب تلك الفكرة كان يتوجب على الجميع "الخضوع المطلق للإمام والقبول بأحكامه ونواهيه باعتبارها إرادة الله التي لا يحق للإنسان ردها".
وفي السياق يذكر السيد هانز هولفريتز أن الإمام كان يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، "كنت أرى في كل يوم مظهرا من مظاهر تدخل الإمام في الحياة اليومية إلى الحد الذي يشبه تدخل ناظر المدرسة في شؤون طلابه".
وخلص إلى أن "عملية تحويل تلك الدولة الدينية القديمة إلى دولة جديدة تصلح للعصر لم تكن بسيطة، فالشروط الأولية اللازمة لمثل هذا التحول مفقودة في اليمن، كما أن الأساس الذي تقوم عليه سلطة الإمام وصلاحياته يحول دون هذا التحول".
التعليم والجهل.. نمط واحد..
ولضمان احتكار السلطة وسيطرة أسرة واحدة عليها تحت دعوى "الحق الإلهي"، فقد حرص الأئمة على ألاَّ يشيعوا من التعليم إلا ما اطمأنوا إلى غياب ضرره، لم تكن هناك مدارس ولا معاهد ولا أي شكل من أشكال التعليم الحديث ، ويقول هولفريتز"يسير أطفال في تعليمهم على نمط واحد، فالقرآن والشريعة هي الكتب الوحيدة التي يدرسونها، لم يظهر في اليمن حتى الآن أي حد فاصل بين العلم والدين".
دجل وخرافة وشعوذة..
لم يكتف النظام الامامي بتكريس سياسة الجهل والعزلة، بل لجأ أيضا إلى ممارسة التضليل والدجل والشعوذة والخرافة لإضفاء هالة من القداسة على الإمام، حيث يذهب المناضل محمد عبد الله الفسيل في مقال صحفي بعنوان "هكذا هم الأئمة - صور مأساوية من الطغيان لن تنسى"، الى أن "الإمام يحيى كوّن جيشاً إعلامياً يبث له دعاية الدجل والتضليل والشعوذة، ينسب إليه كرامات زائفة وأساطير بأنه يملك الجن".
الوضع الصحي.. يبعث على الاشمئزاز
في المقابل فإن الحديث عن الوضع الصحي بالبلاد في ذلك العهد، يبعث على الاشمئزاز، "كان الجو مفعما برائحة الوباء، الوجوه شاحبة، تعلوها مسحة لون أصفر مقيت وباهت، والبطون منفوخة ليس شبعا وإنما مرضا، والأقدام عارية لزجة بالجروح والأوساخ، جموع منهكة من المتسولين والمرضى والمجانين نصطدم بهم في كل منعطف وفي كل زقاق وفي كل ساحة"، وفقا لتصوير زيد مطيع دماج في روايته "الرهينة".
وتقول الطبيبة الفرنسية كلودي فايان: "كانت النساء تتأوه باستسلام ويرددن (كله من الله) ، أقول لهن "إن هذا يتوقف على الوضع الصحي، وعلى الأطباء، وعلى العلاجات! لكن ما الفائدة، مادامت الأدوية معدومة والأطباء لا وجود لهم وليس هناك من يعلمهن الطرق الصحية، ويكون جوابهن عليَّ أن هذا كله أيضا من الله"!
قضاة ووزراء.. وعبيد للإمام..
في مجال الإدارة الحكومية، حافظ الأئمة على ما ورثوه من العهد العثماني دون تطوير، بل الأكثر من ذلك أنهم، بحسب الدكتور احمد عبيد بن دغر، "قاموا بإلغاء اللبنات الأولى لإدارة مدنية حديثة كان العثمانيون قد حاولوا تأسيسها في اليمن"، وكان يسود الاعتقاد لدى الأغلبية العاملة في الجهاز الحكومي، أنهم خدم الإمام، وكان كثير منهم يوقعون رسائلهم إلى الإمام، بمن في ذلك الوزراء والقضاة، بـ "المملوك أو الخادم".
ويلخص بن دغر حالة الجيش في بداية الخمسينيات بكلمات قليلة: "مرتبات متدنية جدا وأسلحة متواضعة وقديمة، وملابس رديئة وتدريب سيئ وقيادة ضعيفة وقليلة الخبرة.
جيش نظامي من الحفاة ..
يقول المناضل محمد الفسيل "كون الإمام جيشاً نظامياً من الحفاة، وخططهم في بيوت الرعية المجبرين على إطعامهم وخدمتهم وتوفير القات والمداعة (النارجيلة) لهم، فيما سماه نظام الخطاط" ،ولعل الحوار الشعري الذي أداره الشاعر الشهيد محمد محمود الزبيري بين العجوز والعسكري في إحدى قصائده يمثل تجسيدا صادقا للتعسف والتسلط الذي كان يمارسه عساكر الإمام على الرعية والتي جاء فيها:
العسكري: أين الدجاجة؟ وأين القات فابتدري
إنا جياع وما في حيكم كرم
العجوز: يا سيدي ليس لي مال ولا نشب
ولا ضياع ولا قربى ولا رحم
إلا ابنــــــي الذي يبكـــي لمسغبــــــة
وتلك أدمعه الحمراء تنسجم
العسكري: إني إذن راجع للكوخ أهدمه
يـــا (شافعية) إن الكــــذب دأبكــــم.
قيود وأغلال.. وعدالة مستحيلة ..
كان البحث عن العدالة في اليمن في تلك الفترة من الأمور المستحيلة، فلم يكن هناك قوانين وضعية يرجع إليها القضاة في الفصل بين الناس في شؤونهم المدنية والشرعية، ويؤكد بن دغر أن وظيفة القاضي كانت مقرونة "بالابتزاز والسلب"، وكانت الأغلال والقيود وسيلة من وسائل العقاب.
وبحسب الطبيبة الفرنسية كلودي فايان فإنه "يكفي في اليمن إن يكون لإنسان أي نفوذ طبيعي أو قانوني وأن يكون غير راض عن شخص ليأمر بأن يكبل، وليس غريبا أن ترى يمنيا يجر الأصفاد في قدميه ويسير في الشوارع ، وأنها رأت "امرأة مكبلة بالحديد في مدينة تعز"، وكذلك "مسجونين يجمع كل اثنين منهما قيدا واحدا في قدميهما".
أطفال في قبضة السجان..
لم يستطع نظام الإمامة الذي كرس كل وظائف الدولة في شخص الحاكم ممارسة هذه السلطة إلا بواسطة نظام الرهائن الذي مثل واحدا من أبرز مظاهر العنف السياسي للنظام الإمامي، وبحسب الدكتور بن دغر "فإن الإمام احمد كان يحتفظ في نهاية الخمسينيات بنحو خمسة آلاف رهينة في سجونه، معظمهم من الأولاد الصغار والشباب"، وكان العرف يقضي أنه إذا فر أحد الرهائن أو مات توجب على ذويه أن يأتوا برهينة آخر يحل محله.
فكل ما سبق لا يعكس سوى جزء بسيط من الصورة العامة لطبيعة الحكم الامامي والظروف السياسية والاجتماعية والمعيشية القاسية التي ولدت الرغبة والإرادة والقوية لدى الشعب اليمني في التغير "فالطغيان يبرر الثورة ، وقد بلغ الطغيان الامامي اقصى مداه".
وجاءت ثورة الـ26 من سبتمبر عام 1962 لتشكل فصلاً حاسماً في تاريخ الكفاح البطولي للشعب اليمني، ولم تفلح الاعدامات والاعتقالات في وقف المد الزاحف، بل زادت نيران الثورة في النفوس اشتعالا.
عودة روح ثورة سبتمبر..
بعد مرور 55 عاماً على ثورة 26 سبتمبر، عادت روح الثورة تتوهج من جديد، بسبب محاولة الإماميين الجدد السيطرة على البلاد، فالانتفاضة الشعبية في وجه هذه العصابة، عقب انقلابها على السلطة الشرعية ومحاولتها استحضار ممارسات وسلوك اسلافهم البغيض و الزائل، واستعادته من جديد، ادى الى استنهاض الارادة الشعبية في تمثل روح وأجواء ثورة 26 سبتمبر، للقضاء على فلول الإمامة، وعدم السماح بعودة سنوات البؤس والشقاء والعزلة التي عاشتها بلادنا لقرون، وانتهت الى غير رجعة ولن تستطيع اي قوة على وجه الارض فرضها مهما اوغلت في بشاعتها وجرائمها ودمويتها.