الأخبار
- تقارير وتحليلات
بعد عامين من سقوطها.. "صنعاء" تقترب أكثر من "طهران" وتبتعد عن محيطها العربي
العاصمة أونلاين/ خاص/ فؤاد رزق
السبت, 26 أغسطس, 2017 - 05:33 مساءً
بعد ساعات فقط من انتهاء مهرجان المخلوع صالح الذي حشد له جماهيره من جميع المحافظات الخاضعة للإنقلاب، بادرت مليشيا الحوثي، للسيطرة على ميدان السبعين، وإجراء عرض عسكري لعشرات العربات العسكرية المحملة بمسلحيها، في ظل حالة من التأزم الشديدة التي تشهدها علاقة الحليفين والتي تشتد حدتها يوما بعد يوم.
تعتبر مليشيا الحوثي التي انطلقت من صعدة، ذراع إيران في اليمن سياسياً ومذهبياً، فهي تحمل شعاراً أطلقه الخامنئي (قائد الثورة الإيرانية) إبان ثورته ضد الشاه في سبعينات القرن الماضي، وترى في نفسها امتداداً مذهبيا للشيعة الإيرانية، وهي لا تخفي ذلك عن نفسها.
ومنذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر من العام 2014م بتسهيل وتحالف خفي مع المخلوع صالح، كرست مليشيا الحوثي جهدها لإحكام سيطرتها على العاصمة صنعاء، وإخضاعها عسكرياً وسياسياً ومذهبياً لسلطتها، وعملت كل ما في وسعها على إزاحة أي عائق من شأنه إيقاف سيطرتها كليا على العاصمة.
ورغم أن مليشيا الحوثي وحليفها صالح، أعلنا في يوليو من العام الماضي عن إنشاء مجلس سياسي لإدارة المناطق الخاضعة لهم، وإنشاء ما أسموها بحكومة إنقاذ في نوفمبر من نفس العام بالمناصفة بين المؤتمر والحوثيين، إلا أن ذلك لم يمنع الحوثيين من مواصلة مشروعهم الإستحواذي على صنعاء.
ووفق مراقبين فقد عمدت مليشيا الحوثي، وبعد القضاء على خصمها الرئيسي المتمثل في حزب الإصلاح، إلى إبعاد صالح وحزبه من المشهد، بدءً من الإعلام الرسمي (المغتصب) من خلال إقصاء عناصره، وتعيين حوثيين بدلاً عنهم، ومنع نشر أية أخبار سواءً لصالح أو لحزبه.
وحتى مع توقيع اتفاق إنشاء المجلس السياسي الأعلى لهم، وتشكيل الحكومة المشتركة، ظلت أخبار المخلوع صالح مغيبة عن الإعلام الرسمي (المغتصب)، فيما كانت أخبار عبدالملك الحوثي تتصدر واجهات الأخبار في الصحف والإذاعات والقنوات التي تحتلها المليشيا.
سياسة ممنهجة
ويقول: محمد دماج – كاتب ومحلل سياسي – إن مليشيا الحوثي عملت ومازالت على تحويل صنعاء إلى مدينة إيرانية وفق سياسة ممنهجة بدأت بالسيطرة على مؤسسات الجيش، وانتقلت إلى القطاعات المدنية الحكومية، ومن ثم المؤسسات الدينية، وقضت على المظاهر المدنية والسياسية، وانتقلت إلى المناهج الدراسية وغيرها.
ويضيف في حديث مع "العاصمة أونلاين": "مليشيا الحوثي باتت تنظر لعلي صالح وحزبه بأنه يشكل خطراً يهدد مشروعها الذي ينطلق من أبعاد مذهبية وطائفية بحتة، خصوصا وأن غالبية أعضاء المؤتمر الشعبي العام محسوبين مذهبيا على "السنة"، وهو ما يتقاطع مع مشروعها، وبالتالي فإنها عملت على تصعيد المعركة معه، وهي ماضية في القضاء عليه، حتى وإن كان المؤتمر الشعبي بلا خلفيات عقائدية".
وصعدت مليشيا الحوثي مطلع الأسبوع الماضي من حدة خلافها مع حزب علي صالح، وظهر زعيمها عبدالملك الحوثي لأول مرة في خطاب حادٍ كال فيه مختلف الإتهامات لحليفه صالح، واتهمه بخيانته والطعن من الظهر، وخدمة من أسماه بالعدوان، فيما رد صالح بكيل التهم لحليفه الحوثي بالإخلال بالتحالف والاستحواذ على مؤسسات الدولة والفساد.
دماج وفي حديثه مع "العاصمة أونلاين" رأى وجود ارتباط واضح لإيران وأذرعها في الوطن العربي بالأزمة بين حليفي الانقلاب في اليمن، وتخفيف حدتها قبل يوم واحد من فعالية حزب صالح في ميدان السبعين. مشيراً إلى أن بيان المؤتمر الصادر عن فعالية السبعين، وكذلك خطاب علي صالح كشف بوضوح عن دور إيراني أفضى إلى السماح له بإقامة الفعالية، وظهر من خلال إشادته بحزب الله ومواقفه، في وقت ليس هو محل الإشادة بهذا الحزب اللبناني المدعوم إيرانيا.
وقال: "الحوثيون يدركون أنه لا خطورة من مهرجان صالح، ورغم ذلك صعدوا أزمتهم مع صالح وحزبه، فيما قابل صالح ذلك بمحاولات حثيثة على التهدئة، بل أظهر الخنوع والاستسلام لما يريده الحوثيون، ومع ذلك واصلت مليشيا الحوثي تصعيدها، وتحشيدها لاعتصامات أنصارها في محيط العاصمة، وسيطرت على ميدان السبعين الذي يرى فيه صالح جمهوريته التي لا يمكن الإقتراب منها".
وتابع: "الحوثيون وجدوا في فعالية السبعين فرصتهم للتصعيد ضد ما تبقى من عوائق أمام مشروع التفرد بالعاصمة، حتى وإن لم تأتي فعالية السبعين فإن الحوثيين كانوا سيبحثون عن سبب آخر للتصعيد، وبالتالي فحدة أزمتها مع صالح ماضية ولن تتوقف حتى يتحقق لها ما تريد".
ممارسات طائفية
وأقدمت مليشيا الحوثي منذ سيطرتها على صنعاء على اختطاف الآلاف من المعارضين لها خصوصا من حزب التجمع اليمني للإصلاح، الخصم السياسي والمذهبي الأقوى أمامها، وفرضت إجراءات مشددة على مساجد العاصمة وعلى مراكز التعليم الخيرية (تحفيظ القرآن)، واختطفت المئات من خطباء المساجد والوعاظ والمرشدين.
ورصدت وزارة الأوقاف في الحكومة الشرعية إقدام مليشيا الحوثي على تفجير 300 مسجد محسوبة على المذهب السني، وقصفت 300 على الأقل وحولت العشرات منها إلى ثكنات عسكرية أو مقرات لمليشياتها أو أماكن للنوم.
وفي رمضان الماضي أقدمت مليشيا الحوثي على منع إقامة صلاة التراويح في العديد من جوامع العاصمة صنعاء، بذريعة أنها وهابية، وأوقفت مكبرات الصوت في الصلوات والمحاضرات الدينية، وفي المقابل استغلت المنشئات التعليمية لإقامة مراكز طائفية لنشر أفكارها الشيعية.
وفرضت المليشيا إجراءات على المؤسسات التعليمة الحكومية، وقامت بتغييرات واسعة بدأت من تعيين شقيق عبدالملك الحوثي وزيراً للتربية والتعليم، وانتقلت إلى مكاتب التربية في المحافظات، وإدارات المدارس، وإجراء تغييرات طائفية على المناهج الدراسية، لتصل هذا الشهر إلى الإعلان رسميا عن إجراء تغييرات شاملة للمناهج الدراسية بما يحقق نشر فكرها المذهبي.
ولم تتوقف محاولات مليشيا الحوثي الإيرانية في سرقة صنعاء على ما سبق، إذ يرى مراقبون أنها تعمل بشكل مكثف على إجراء تغيير ديموغرافي يضمن بقائها حتى بعد تحرير صنعاء، وذلك من خلال إقدامها على شراء وتوزيع قرابة 30 ألف كيلو متر مربع من أراضي صنعاء ومحيطها، وشراء العقارات بشكل غير مسبوق.
ويربط مراقبون هذه الإجراءات مع إجراءات مشابهة تمت في دمشق وبغداد التي بات النظام الإيراني يتحكم في أنظمتها، حيث قامت برفض قوانين تتيح لرجال الأعمال الإيرانيين شراء العقارات، والإستحواذ عليها، وتمنحهم تسهيلات وامتيازات لتسهيل الحصول على العقارات.