الأخبار
- تقارير وتحليلات
«الفقر والمعاناة» يخطفان «فرحة العيد» من سكان العاصمة
العاصمة أونلاين - خاص
الثلاثاء, 29 أغسطس, 2017 - 04:35 مساءً
وسط حرارة الشمس يقف الجندي عمار الحيسني، 35 عاماً، في أحد الجولات وسط العاصمة صنعاء، باحثاً عن عمل، لتوفير المستلزمات الضرورية لمنزله وأولاده، بعد أن أجبرته الظروف المعيشية للوقوف في ذلك المكان.
عمار، شاب في مقتبل العمر، أحد جنود ما كان يُعرف سابقا بالحرس الجمهوري، في العاصمة صنعاء، منذ 15 عاماً، كان خلالها مثالا للجندي المنضبط في أداء واجبه، محافظ على العهد والقسم الذي أخذه على نفسه منذ التحاقه بالمؤسسة العسكرية مطلع العام 2002م، كحامي للوطن ومدافع عن مكتسباته، أجبرته الظروف المعيشية التي يعانيها مع أسرته في الالتحاق بركب الباحثين عن العمل في جولة دار سلم، جنوبي العاصمة صنعاء.
منذ نحو شهر يقف عمار في الجولة، بشكل يومي، بعد أن سدت منافذ الحياة أمامه، ولم يجد سوى الوقوف في ذلك المكان، مفترشاً الأرض، وملتحفا السماء، أملا في الحصول على عمل يستطيع من خلاله توفير مصاريف أولاده، وسداد ما عليه من ديون، بعد أن تراكمت بفعل انقطاع الراتب، وعجز عن سدادها، فيما أوصد التجار وأصحاب الدكاكين أبوابهم في وجهه ووجه زملاءه من الموظفين الذين انقطعت بهم السبل بعد انقطاع المرتبات عنهم منذ قرابة العام "يقول عمار".
يضيف عمار لــ "العاصمة أون لاين"، أنا هنا منذ نحو شهر، أبحث عن عمل، لتوفير مصاريف بيتي، الذين لم يعد لديهم ما يأكلوه، بعد قطع المرتب الذي كان يوفر الحد الأدنى من مصاريف البيت". ويضيف "لم اتخيل أن أجد نفسي في هذا المكان الذي يشعرني بالألم والحسرة على سنوات عمري الذي أضعتها في خدمة وطن كنت أعتقد أنه سيحميني ويحمي أسرتي، لكنه قذف بنا في شاطئ النسيان بفعل تجار الحروب الذي ضيعونا وضيعوا الجيش وضاعت البلاد بكلها" حد وصفه.
مأساة وطن!
تختزل تقاسيم وجه عمار وهو يسرد فصول معاناته، مأساة وطن ضاع بين مطرق الخيانة، وسندان العمالة، يلتفت هنا وهناك، وحرارة الشمس تكوي جبينه، منتظرا وصول من يبحث عن عمال، لأخذهم للعمل، بأجر يومي 3000 ريال. يقول عمار "أنه يذهب بين مصاريف أكل وشرب ومواصلات وحق النوم وغيره". مؤملا أن يجد عمل بأي شغله المهم لا يظل متعطل، لأن هذا يضيف له فصول جديدة من المعاناة. حد تعبيره.
يتذكر عمار أن العيد تبقى له أيام، ويطير النوم من عينيه كما يقول، فأولاده وزوجته ينتظروه بفارغ الصبر، يكابد المعاناة، ويحاول ترميمها ليصنع منها ابتسامة يرسمها في وجوه أصدقاءه الذين يقهرون الألم بابتسامتهم، فحين سأله صديقه الذي بجواره عن العيد، فأجاب ضاحكا "قد ضحى علينا النبي محمد لأنه كان عارف ان احنا سنصل الى زمن الحوثي". في اشارة الى أنه لن يستطيع شراء كبش للعيد، نتيجة الظروف المالية التي يعيشها مع الملايين من الموظفين اليمنيين، نتيجة رفض مليشيا الحوثي صرف المرتبات للموظفين المدنيين والعسكريين.
الحنين إلى الدولة!
لا شيء أكثر ألماً من أن تفقد مكان ألفته وألفك، وفجأة تتخلى عنه ولم تعيد تطيق حتى رؤيته، وأن المكان الذي قضيت فيه سنوات من عمرك قد استحكم به طفل لم يعرف يوما الحياة العسكرية. هكذا يختصر عمار، علاقته مع معسكره الذي قضى فيه سنوات كثيرة من عمره، فيما يعرف بمعسكر السواد، الذي تم تغيير اسمه في مطلع 2013 الى إلى اسم "قوات الاحتياط" جنوبي العاصمة صنعاء.
يقول عمار "كم أتألم حين أشوف المكان الذي قضيت فيه سنوات عمري داخل المعسكر وقد تحول الى ثكنه للمليشيا الذين حاربناهم لسنوات طويلة، وباتوا اليوم يتحكمون في كل تفاصيل شيء داخل المعسكر وبقية المعسكرات، وخصوصا الأشياء الاساسية المهمة كالمالية والتسليح والتوجيه المعنوي وغيرها".
ويستطرد قائلا "أصاب بالأسى وانا أمر بشكل شبه يومي من امام المعسكر، وكيف تحول هذا المعسكر الذي كنا نعتقد يوما أنه سيكون الدرع الحصين لهذا الوطن، لكنه وللأحقاد الشخصية بين القيادات العسكرية تحول تحت إمرة المليشيا". بيد أنه لم يصاب باليأس بشكل كلي يقول عمار "لكن ان شاء الله خير، وما تضيق الا وتفرج".
تجار حروب!
روى "عمار" فصولا من معاناته لمحرر المادة الذي التقاه، منذ بدء انقلاب الحوثي واسقاط العاصمة صنعاء بقوة السلاح في سبتمبر 2014م، يقول عمار "في البداية لم نكن نتوقع أن يصل الحال الى هذا الوضع، والذي دفعنا ثمنه جميعا، لكني حين اشاهد ما حل بالوطن وأين نقف اليوم أقول لعنة الله عليك يا علي عبدالله صالح من حين سمحت للحوثي يدخل صنعاء".
ومضى "الحيسني" قائلا "مع بدء ضربات التحالف جلست معهم في أحد معسكرات الحرس صامد لنحو سنة ونصف، ظنا مني اننا ندافع عن وطن، لكن بعد هذا تروحت البيت بعد ان متنا جوع والفلوس والمصاريف للكبار منهم واحنا لنا السهر والتعب". مشيرا الى أن "الحرب هذه - في الأماكن المسيطر عليها الانقلابيين- المستفيد الأول والأخير منها كبار المسؤولين والقيادات العسكرية المتواجدين في المعسكرات". ويقول "عندما يضرب الطيران لموقع يذهبوا ينهبوا السلاح كله الى منازلهم بحجة انه قد انتهى، وهكذا حولتهم الحرب الى أثرياء، وما ودهم تنتهي اطلاقا".
البطالة السوق الأكثر رواجاً..!
عمار الحيسني واحداً من مئات الالاف من الموظفين اليمنيين مدنيين وعسكريين الذين قذفت بهم الحرب وانقلاب المليشيا على الدولة الى خانة البطالة.
تشير الاحصاءات إلى عدد عن العاطلين عن العمل في اليمن وصل الى 8 ملايين عاطل عن العمل. حيث تشير الاحصاءات الصادرة من الاتحاد العام لعمال اليمن، إن 4 ملايين عامل يمني ممن كانوا يتقاضون أجراً من القطاع العام والخاص والمختلط أصبحوا بدون عمل، بالإضافة إلى أكثر من 3 ملايين شخص آخرين كانوا يعملون بنظام الأجر اليومي في مختلف المجالات.
وأوضح أمين عام الاتحاد فضل العاقل في تصريحات صحفية، أن موظفي الدولة المقدّر عددهم بأكثر من مليون موظف دخلوا أيضا ضمن طابور البطالة، باعتبارهم عمالا كانوا يتقاضون أجراً شهرياً، لكن توقف رواتبهم يعني دخولهم ضمن العاطلين.
وفي وقت سابق، قال البنك الدولي إن البطالة بين صفوف الشباب اليمني ارتفعت إلى 60% مع ارتفاع الفقر إلى 54.5% من مجموع السكان، البالغ عددهم نحو 25 مليون نسمة.
ودفعت الحرب، مئات الشركات من القطاع الخاص، إلى إغلاق أبوابها وتسريح موظفيها وعمالها، فيما أكد تقرير للأمم المتحدة، أن النزاع في اليمن أدى إلى تدهور الاقتصاد بشكل حاد، وتسريح 70% من العمالة لدى شركات القطاع الخاص، وأن واحدة من كل 4 شركات أغلقت في البلاد، بينما تدهورت القوة الشرائية للسكان.