×
آخر الأخبار
دائرة الطلاب بإصلاح أمانة العاصمة تنعي التربوي "فرحان الحجري" مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"  "هولندا" تؤكد دعمها للحكومة الشرعية لتحقيق السلام الدائم والشامل انتهاك للطفولة.. منظمة ميون تحذر من مراكز الحوثي الصيفية لمشاركتهم في تظاهرة احتجاجية.. الحوثيون يختطفون أربعة من موظفي مكتب النقل بالحديدة صنعاء.. وكيل نيابة تابع للحوثيين يهدد محامية ونقابة المحامين تدين شبوة.. إصابة طفلين بانفجار لغم من مخلفات الحوثيين الأكبر منذ 2015.. إيران تزيد من منحها الدراسية لعناصر مليشيا الحوثي تهديد "حوثي" للأطباء بعد تسرب وثائق تدينها بتهريب مبيدات مسرطنة تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق أطفال اليمن خلال أقل من عامين

رعب الاختبارات.. دعوة للمراجعة والتطوير (1-2) 

الثلاثاء, 03 يوليو, 2018 - 03:33 مساءً

منذ يومين بدأت اختبارات الشهادة الثانوية العامة التي باتت أشبه بموسم سنوي للرعب؛ يشهده الطلبة والمعلمون والمؤسسات التربوية على حد سواء!  

عادة ما يتحدث بعض التربويين في مثل هذا الموسم من كل عام عن ظاهرة الغش التي أصبحت فنا مستقلا؛ لها طرقها وأدواتها المتطورة بفعل تكرار التجربة وتنوع أساليبها، وعن ظواهر الاختراقات المسلحة للمراكز الامتحانية أو الاعتداء على اللجان، وعن تسرب الاختبارات وبيعها أو شرائها، وعن كثير من المظاهر ذات العلاقة التي تؤشر إلى مستقبل مظلم لهذا البلد بقدر ظلمات مخرجاته التعليمية المترهلة الباحثة عن درجات التحصيل العلمي على حساب جوهر التعلم.

في الحقيقة أن هؤلاء التربويين حين يتحدثون عن ذلك كله فإنما يلامسون مظاهر المشكلة ويغفلون عن جذورها وأسبابها الحقيقية التي تنتج بالضرورة مثل تلك المظاهر، وهي الأسباب والجذور التي عالجتها جميع الأنظمة التربوية في العالم عدا عدد يسير من بلدان العالم الثالث في وطننا العربي منها اليمن.

إنني ومن خلال تتبعي المنهجي لمشكلات التعليم وتجارب الأنظمة التعليمية سواء عبر تخصصي الأكاديمي في الإدارة التربوية أو عبر خبرتي العملية في حقل التربية والتعليم منذ حوالي خمس عشرة سنة؛ أكاد أجد أن مشكلة التعليم الأساسية  في اليمن التي تقود إلى مئات المشكلات المنبثقة عنها هي أن النظام التعليمي برمته قائم على (المدخل المعرفي) ابتداء من سياسات التعليم وأهدافه، ومرورا بتصميم المقررات الدراسية، وانتهاء بأساليب التقويم. فما علاقة المدخل المعرفي بذلك كله؟ وكيف أثر على طبيعة التعليم والتعلم؟ وما البدائل الأخرى الكفيلة بتجفيف منابع المشكلات والظواهر السيئة التي نشهدها كل عام.

كان المدخل المعرفي هو المدخل السائد في أنظمة التعليم العالمية، ثم انتقلت كثير من الانظمة التعليمية بفعل عمليات المراجعات الجادة الى مدخل آخر هو مدخل الكفايات، ومؤخرا اعتمدت كثير من الأنظمة التعليمية مدخلا حديثا هو مدخل المعايير.

بالنسبة للمدخل المعرفي فهو بكل بساطة يعني ارتكاز جوهر النظام التعليمي على (المعرفة) واعتبارها المخرج النهائي الذي يتم في ضوئه تقييم الطلبة، وهي كذلك المحك العملي الذي يحدد استحقاق الطالب للانتقال للمراحل اللاحقة أو تخلفه عنها. 

لاحظوا معي أن الطالب وفق المدخل المعرفي يتركز مستقبله في 120 دقيقة داخل قاعة الاختبار، ويتحدد مساره التخصصي المستقبلي في ورقة يكتبها على طاولة الامتحان هي إجابات عن أسئلة لا تتجاوز قياس القدرات العقلية الدنيا للطالب وهي مستويات: التذكر، والفهم، بينما يتم إغفال القدرات العقلية الوسطى والعليا وهي الأهم مثل: التحليل والتركيب والتقويم، وفق تصنيف (بلوم) للمستويات المعرفية، طبعا بالضرورة لا تستطيع أسئلة الاختبار أن تقيس هذه المستويات العليا لأنها تحتاج أدوات قياس أخرى جربها العالم المتطور ويمارسها في أنظمته التعليمية منذ أكثر من 80 عاما. 

تعطيل القدرات العقلية العليا الكفيلة بإحداث الإبداع والابتكار والإنتاج العملي ليست هي السلبية الوحيدة للمدخل المعرفي حين يعتمد عليه منفردا أي نظام تعليمي بل هنالك ما هو أسوأ من ذلك، فالمدخل المعرفي لا يتجاوز قياس المكون المعرفي لدى الطالب، بينما لا يستطيع مطلقا إحداث تغييرات حقيقة تتعلق بالمكون الوجداني الذي هو وسيلة بناء القيم وضمان ثباتها، كما أنه (المدخل المعرفي) لا يستطيع إحداث تعلم فعال على مستوى المكون المهاري (السلوكي) الذي هو عماد التعلم وأساس بناء المجتمعات وتنمية الأوطان والحضارات. 

حسنا.. تخيلوا معي الآن الطالب اليمني الذي نفترض افتراضا أنه تلقى تعليما جيدا في ظل ظروف مستقرة وإمكانات تعليمية متوفرة، تلقى كمية هائلة من المعرفة تزاحمت عليه بواقع سبعة مجالات متباينة في سبع حصص يومية، والآن تقف تطلعاته المستقبلية وتطلعات أسرته مرهونة بمدى حفظه وتذكره لذلك الكم الهائل من المعارف التي احتوتها أغلفة المقررات. هذا الوضع المتوتر يخلق حالة نفسية لدى الطالب والأسرة بل والقبيلة أحيانا ليجعلها كلها في حالة استنفار كبير لتجاوز حفلة الرعب تلك بتمرير أكبر قدر من المعلومات والمعارف إلى ورقة إجابة الطالب بطرق غير مشروعة سواء باستخدام الاساليب السلمية ووسائل الضغط الناعمة كالرشوة أو الاحتيال التي تقتل ضمائر الطلاب وقيمهم العليا في مهدها، أو بقوات التدخل السريع والمسلح في حال فشل النوع الأول!

من ناحية أخرى فإن غلبة المكون المعرفي الذي يتطلب قدرا كبيرا من العمليات الذهنية للتذكر والحفظ والاسترجاع قد يصيب الطالب بأزمة نفسية معقدة بفعل التخوفات من موسم الرعب (الاختبارات) ومن ضياع طموحاته في اختيار التخصص الجامعي الذي يرغب فيه، أما إذا تعرض الطالب لظرف نفسي أو عائلي أو أصيب بصدمة معينة يوم ذهابه لقاعة الامتحان فإنه لن يكون قادرا على استذكار شيء مما حفظه مهما كان اجتهاده وتفوقه طيلة أشهر الدراسة، فهل هذا النظام الذي يعتمد على 120 دقيقة ويتجاهل اجتهاد عام دراسي كامل هو نظام عادل؟ 

ما سبق الحديث عنه هل يعني أنه بإمكاننا الاستغناء عن نظام الاختبارات واعتماد وسائل تقييم وتقويم أخرى؟ وما جدوى مدخل الكفايات ومدخل المعايير، وكيف أصبحا من المداخل الأساسية لتطوير الأنظمة التعليمية وتحقيق العدالة والموضوعية والإنتاجية بالنسبة للطلبة وللبلدان؟ 
إجابة هذه التساؤلات تحتاج إلى بسط في التناولة الثانية والأخيرة من هذا الموضوع.


*مقال خاص بـ"العاصمة أونلاين".
 


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

د. عمر ردمان