×
آخر الأخبار
وكيل امانة العاصمة يشيد بدور "إذاعة الأولى" عدن.. محكمة الاستئناف تقضي   ببراءة الصحفي "ماهر" من جميع التهم   المنتخب الوطني يخسر أمام نظيره السعودي بثلاثة أهداف لهدفين في خليجي 26 مسؤول حكومي: عناصر حوثية تبدأ عرض منازل وأراضي للبيع في صنعاء حكومة تصريف الأعمال السورية تُعلن عطلة ليومين للاحتفال بعيد الميلاد  الحكومة العراقية تدرس طلب واشنطن اغلاق مكتب الحوثيين في بغداد مأرب تستقبل 221أسرة نازحة خلال نوفمبر الماضي  المنتخب الوطني يواجه نظيره السعودي   مصادر: مقتل "امرأة" وحفيديها في حي سعوان بصنعاء "القيادة الرئاسي" يوجّه بعودة جميع مؤسسات الدولة للعمل من عدن

البردوني.. فيلسوف الأدب الثوري

الثلاثاء, 22 سبتمبر, 2020 - 07:26 مساءً

الوهج السبتمبري، إشراقة خالدة، وأحلام شاهدة، تربعت على عروش الأفئدة، و تجلت في ثنايا قصائده، إنّه الشاعر الأديب،  والناقد اللبيب ، ذو الخيال الواسع والخصيب ، فيلسوف بارع ،  ومؤرخ ذكي ، ذاع صيته على مستوى الوطن العربي وتخطت قصائدُه أسوار الوطن  بماتحمل من معاني لغوية، ومغازي سياسية، ومفاهيم ثورية، ونكتة ذمارية، تجلت في  شاعريته الرومانتيكية القومية.
 
استطاع بشعره ان يلفت اليه الأنظار مع أنّه أعمى لكنه أبهر بقصائده  أولي الأدب و الأبصار، كانت ومازالت تُشد إلى دوايينه الرحال، الشاعر المبصر في الزمن الأعمى كما يقول عنه عمالقة النقد والأدب، استطاع أن يتغلب على العزلة النفسية والفكرية والاجتماعية والحياة القاسية والبؤس والشقاء الذي لازمه كبقية اليمنيين في ظل حكم الإمامة وسياسة التمييز الطبقي والتي أفرغت المجتمع من محتواه الانساني ،  كما أفرغت الدين من أسمى مبادئه العظيمة "مبدأ المساواة" وأفرغت القانون من محتواه  في حق المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية.
 
واصفاً الوضع المأساوي وجحيم المعاناة
أيّام كنا نسرق الرمان في الوادي السحيق
ونعود من خلف الطريق
وليلنا أضحى رفيق
نخاف وسوسة الرياح
وخضرة الطيف الرشيق
 
نتيجة  للجهل الذي مارسه الحكم الإمامي في تخويف الناس من جنّ الإمام ، والإمعان في الكذب والدجل الممنهج لاخضاع الشعب وابقائه تحت سياط القهر والحرمان، البردوني كأحد رموز الشعر العربي المعاصر عاش معتزاً بموهبته محافظاً على مكانته كان يسخر من شعراء المدح والعطاء كما في في قصيدة الموصل بالعراق "أبو تمام وعروبة اليوم":
شرّقت غرّبت من والٍ إلى ملك
يحثك الفقر أويقتادك الطلب
وتجتدي كل لص مترفٍ هبةً
وأنت تعطيه شعراً فوق مايهبُ
 
لقد كان يتوهج ثورة وحيوية ويتطلع لمستقبل وطن فيه قيم الحرية والعدالة  وكانت ثورة 26 من سبتمبر في نظره ميلاد وطن ،  وحياة  أمة ، وكرامة شعب ، كما في قصيدته "بين عهدين" أفقنا على فجر يوم صبي
فيا ضحوات المنى أطربي
أتدرين يا شمس ماذا جرى؟
سلبنا الدجى فجرنا المختبي
أتدرين أنا سبقنا الربيع!!
نبشر بالموسم الطيّبِ
فولى زمانٌ كعرض البغي
وأشرق عهدٌ كقلب النبيّ
تميزت  قصائدُه باللغة الشعرية وانتزاعها من البيئة الشعبية وادراجها في سياق النص الشعري الفصيح، خصبة بالرموز الانسانية التي تمنح النص ثراء لغويا ومدلولاً واسعاً في، استلهام المعطيات الدالة على الأفق الرؤيوي البعيد للشاعر، وحواسه المرهفة وبصيرته النفاذة كما قال عنه د.عبدالحميد الحسامي في ثنايا تعليقه على  قصيدته "أنا"
مابين الوان العنا وبين حشرجة المنى
مابين معترك الجراح وبين اشداق الفنا
الحب والحرمان زادي والغذاء المقتنى.
 
هو ذاك الثائر الملهم الذي كان يهوى التحول الثوري الكبير وينتظر بفارغ الصبر، ميلاد اليمن ، ومخاض الثورة الذي يلبي طموحه ويحقق أحلامه وبين نشوة الثائر وخوف المنكسر وأحلام المستقبل، كان الخوف يتملك مشاعره وأحاسيسه من تكرار الماضي في صورة أولئك "الوصوليون الانتهازيون" الذين يركبون موجة الثورات ويمارسون أفعال الإمامة لذلك كانت قصائده تزخر بهذه المخاوف تارةً بالترميز والاشارة ،  وأخرى بصريح العبارة .
نفس ذاك الطبل أضحى تسعةً
إنما أخوى وأقوى طنطنة
كنت سجاناً أدق القيد عن
خبرة صرت اليوم أجيد الزنزنة
أي نفع يجتني الشعب اذا
مات فرعونٌ لتبقى الفرعنة..
والخوف أيضاً من غياب الأباة الثائرين... أو تغييبهم....
والأباة الذين بالأمس ثاروا
أيقظوا حولنا الذئابَ وناموا
وهكذا كانت قصائده حكايات  متواترة ، وتساؤلات متواصلة كيف صار الحلم الثوري كأوراق بلا ساق ؟؟ لكنه لم يفقد ثقته في الشعب الثائر ، وأنّه لن يساوم على حريته وكرامته ، قائلاً:
الشعب أقوى من مدافع ظالم
و أشدّ من بأس الحديد و أجلدُ
و الحقّ يثني الجيش و هو عرمرم
 و يفلّ حدّ السيف و هو مهنّد
 
لا أمهل الموت الجبانَ و لا نجا
 منه ؛ و عاش الثائرُ المستشهدُ
و غدا سيدري المجد أنّا أمّة
يمنيّة شمّا ؛ و شعب أمجد
و ستعرف الدنيا و تعرف أنّه
شعب على سحق الطغاة معوّدُ
ولم تغب صنعاء عن ناظريه ، خاطبها وعاتبها ، أحبها ولاعبها ،  كمعشوقة تبحث عن حلمها ، رافقها الحظ السيئ فلم تكتمل فرحتها ، وهي تتخبط بين هجعة الشاتي ، وأنين الوجع، وحنين المفارق،  الحلم يراودها وهي  تتطلع لمستقبل يليق بجمالها ،  أو لعاشق مفتون يرتمي بأحضانها ، علّه يعيد لها بسمتها ، وتستعيد به عافيتها وسعادتها ، وينسيها سنوات البؤس والحرمان، كمافي قصيدة
"صنعاء الحلم والزمان"
صنعاء يا أخت القبور … ثوري فإنك لم تثوري
حاولت أن تتقيئي … في ليلة عّفن العصورِ
ونويت في تشرين أن … تلدي أعاجيب الزهورِ
فدهاك غزوٌ مثلما … يحكون عن يوم النّشورِ
أيدٍ كأيدِ الأخطبوط … وأوجه مثل الصخورِ
فتساقطت شرفاتك النّعسا … كأعشاش الطّيورِ
وانصبّ إرهاب المغول … من البكور إلى البكورِ
حتى رآى ((نقم)) ذُراك … تخرّ دامية الظّهورِ
تتنهّدين بلا أسى … أو تضحكين بلا سرورِ
ما زال يخذلك الزمان … فتبزغين لكي تغوري
يا شمس صنعاء الكسول … أما بدا لكِ أن تدوري.
وقبل أن  نحط رحالنا، ونضع أقلامنا ، ونلقي عصانا ، نقف بين عصامية الثائر، وثورية الشاعر، بعد إطلالة سريعة ، ونظرةٍ عابرة ،  أزحنا الستارة عن قصائده الثورية ، وتجليات موهبته الشعرية ، ولاتزال دواوينه زاخرة العطاء ، متلاطمة الأمواج ، كيف لا يكون كذلك وقد ناخت عند بابه قوافل الشعراء،  ورست في سواحله قوارب الأدباء ، نقف أمام بريق الحروف الذهبية، وجواهر الأدب الندية ، للكاتب الكبير الاستاذ/ خالد الرويشان في كتابته الساحرة ، وأسلوبه الجذاب واصفاً البردوني بقوله:
برعشةِ كفّـيهِ أرعش دهوراً ، ولِشاهق صوته انتبَهَتْ شِعابٌ ،  ، وتململتْ رقدةُ أزمان، ببصيرتِه أضاءتْ بلادٌ ، وبأحزانِ جفنَيهِ أشرقتْ وِهادٌ ، وبضوءِ أصابِعهِ أسرجَ شعبٌ عزمَه ، وفتَّقَ جيلٌ حُلْمَه ، وشقَّ فجرٌ دربَه.
كانَ خُلاصةَ بلَد ، آهةَ عصور ، عبقريَّةَ مكان ، وردةَ قِفارٍِ وزهرةَ
 


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

عبدالله الضبياني