×
آخر الأخبار
السفارة اليمنية في اثيوبيا: جمال أنعم عمل بمهنية ومثّل اليمن بصورة مشرفة    في ظل اختطاف موظفيها... لقاء أممي حوثي في صنعاء يثير تساؤلات عن التواطؤ رابطة حقوقية: اختطاف موظفي الأمم المتحدة في صنعاء يًقوّض بيئة العمل الإنساني مقتل شاب برصاص مسلح في مديرية كريتر صنعاء.. نقابة طبية تعلن العصيان المدني بسبب الاستدعاءات التعسفية من قبل المليشيات   مؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين يناقش تحديات وفرص التنمية في اليمن مليشيات الحوثي تختطف موظفًا أمميًا في صنعاء بعد مداهمة منزله سبتمبر صنعاء .. إرهاب حوثي إسرائيلي مزدوج "1671جريمة ترهب سكان العاصمة" الحوثي يواصل استهداف موظفي الأمم المتحدة ومصادر تكشف القائمة الأولية للمختطفين بعد خمس سنوات من الاختطاف.. مليشيات الحوثي تفرج عن المعتقل "علي الأشول"

المحامي صبرة.. صوت العدالة الذي أرعبهم

الثلاثاء, 07 أكتوبر, 2025 - 03:54 مساءً

 في بلد تتهاوى فيه منظومة العدالة، وتتحول فيه المليشيات إلى سيف مسلط على رقاب الأحرار، يأتي اختطاف المحامي عبدالمجيد صبرة ليكشف مجدداً الوجه الحقيقي لمليشيا الحوثي، التي جعلت من القهر سياسة، ومن تكميم الأفواه عقيدة، ومن إسكات المدافعين عن الحقوق جريمة ممنهجة لإطالة عمر سلطتها القمعية.
المحامي صبرة أحد المدافعين بصلابة عن حقوق الإنسان وضمير العدالة وصوت المقهورين وهو في جوهره مدافع عن كرامة الإنسان قبل أن يكون مدافعاً عن موكله.
نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الثامنة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 14)، على حق كل شخص في محاكمة عادلة وفي الدفاع عن نفسه بواسطة محامي يختاره بحرية، غير أن ما يجري في مناطق سيطرة الحوثيين يمثل انتهاكاً صارخاً لهذه المبادئ، إذ أصبحت مهنة المحاماة نفسها جريمة في نظر المليشيا متى ما ارتبطت بالدفاع عن المظلومين أو فضح الانتهاكات.
عبدالمجيد صبرة محامي من طينة الأحرار، رمز للثبات الحقوقي، ومدافع صلب عن المظلومين المقهورين والمختفين قسراً في سجون المليشيا.
خلال أكثر من عقد من الزمن، دافع عن مئات المعتقلين، وواجه قضاءً مسيساً ومؤسسات تدار بالتوجيهات الأمنية، ومع ذلك ظل صوته يصدح بالحق في وجه القهر، متحدياً التهديدات والملاحقات، مؤمناً بأن العدالة ليست خياراً بل واجباً إنسانياً.
ترافع صبرة في قضايا كبرى، وكشف في مرافعاته كيف تحول القضاء في صنعاء إلى أداة سياسية بيد الجماعة، وكيف تستغل المحاكمات الصورية لتبرير القمع والتصفية المعنوية والجسدية للمعارضين، ومع كل قضية كان ينتزع فيها حرية مظلوم، كانت المليشيا ترى فيه خصماً أخطر من سلاح موجه ضدها.
في 25 سبتمبر 2025، أي قبل يومٍ من العيد الوطني الـ63 لثورة 26 سبتمبر، اقتحمت مليشيا الحوثي مكتب المحامي عبدالمجيد صبرة في صنعاء، وصادرت مقتنياته ووثائقه القانونية، واعتقلته أمام زملائه، في انتهاك فاضح للدستور اليمني (المادتان 48 و51) الذي يحظر القبض على أي شخص أو تفتيشه إلا بأمر قضائي.
ومنذ ذلك اليوم، لا يعرف مكان احتجازه، وسط مخاوف حقيقية من تعرضه للتعذيب أو سوء المعاملة، كما حدث لعشرات المختفين قسراً قبله.
وفقاً لمبادئ الأمم المتحدة بشأن دور المحامين (مؤتمر هافانا 1990)، تلتزم الدول بضمان حماية المحامين من أي تهديد أو اعتداء أو ملاحقة بسبب أدائهم لواجبهم المهني، ويعد اقتحام مكتب المحامي صبرة ومصادرة وثائقه انتهاكاً صريحاً للمادة (17) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تحمي الخصوصية والمراسلات، كما يشكل انتهاكاً لحق الدفاع المكفول في القوانين الوطنية والدولية.
المؤلم في هذه الجريمة يمتد إلى التخاذل الكبير من قبل نقابة المحامين في صنعاء، التي يعد صبرة أحد أعضائها، إذ التزمت الصمت المطبق في صمت مخزٍ وتخاذل مؤلم وكأنها لا ترى أحد أبرز أعضائها يختطف ويخفى قسراً دون جرم.
إن هذا الموقف المتواطئ وصمة عار في جبين النقابة، التي كان يُفترض أن تكون خط الدفاع الأول عن أعضائها وعن مبدأ استقلال مهنة المحاماة، كما أن صمت بعض المنظمات الحقوقية والناشطين، الذين اكتفوا بالمراقبة الباردة أو بالبيانات الرمادية، يثير تساؤلات مؤلمة عن ازدواجية المعايير وانتقائية المواقف.
قضية عبدالمجيد صبرة، هي قضية كل مدافع عن الإنسان في اليمن، والسكوت عن قضيته يعني القبول الضمني بتحويل مهنة الدفاع إلى تهمة، والعدالة إلى جريمة.
رغم الصمت الداخلي المخجل، فقد أدانت منظمة العفو الدولية و الاتحاد الدولي للصحفيين و نقابة الصحفيين اليمنيين الجريمة، ووصفتها بأنها "تصعيد مرعب" ضد الأصوات المدافعة عن الحقوق والحريات، وأكدت أن اعتقاله يأتي ضمن حملة قمع أوسع تستهدف المجتمع المدني في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث تم اعتقال العشرات من الصحفيين والحقوقيين والعاملين الإنسانيين.
تخاف المليشيا من رجل أعزل لأنه يحمل سلاح الكلمة والقانون، ولأن صوت العدالة أشد فتكاً بظلمها من أي سلاح، تخشى أن يتحول أمثال عبدالمجيد صبرة إلى رموز تلهب وعي الناس وتفضح زيف شعاراتها، ولهذا تسعى إلى تكميم الأفواه، وطمس الشهود، وإرهاب المحامين كي لا يتجرأ أحد على الدفاع عن الضحايا أو توثيق الجرائم.
إن اختطاف عبدالمجيد صبرة قضية عدالة، لذا فإن الواجب الأخلاقي والحقوقي يفرض على الجميع الوقوف معه والدفاع عنه، وعلى الأمم المتحدة والمبعوث الأممي التحرك العاجل للضغط من أجل الإفراج الفوري عنه وعن جميع المختطفين، وايضا المنظمات الحقوقية الدولية أن تتبنى قضيته كرمز للنضال من أجل حرية المدافعين عن حقوق الإنسان في اليمن، وعلى نقابات المحامين والصحفيين في الداخل والخارج أن ترفع الصوت في كل المحافل الدولية لتوثيق الجريمة ومساءلة مرتكبيها، ويجب أن يبقى صوت المجتمع المدني والإعلام الحر حياً، لأن الصمت في وجه الظلم خيانة لرسالة العدالة.
عبدالمجيد صبرة ليس أول من يختطف، ولن يكون الأخير، لكن ما يمثله من شجاعة وإيمان بالمبدأ يجعل من قصته منارة تضيء طريق كل من اختار أن يكون إلى جانب المظلومين.
يبقى عبدالمجيد صبرة عنواناً للمحامي الحر الذي رفض أن يكون شاهد زور على انكسار العدالة، ورمزاً للمدافع عن حقوق الإنسان الذي واجه المليشيا بصوته وقلمه ومرافعته، وستبقى قضيته شاهدة على زيف القضاء المسيس، وصمت النقابات المنكسرة، وخذلان المنظمات المترددة، لكنها أيضاً ستبقى صرخة في وجه الطغيان بأن العدالة لا تختطف، وإن اختطف أصحابها.
*مدير عام مكتب حقوق الإنسان بأمانة العاصمة
 


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

1