×
آخر الأخبار
صحة غزة: مستشفيات القطاع ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة  بن دغر: لقاء الإصلاح واللواء الزبيدي خطوة إيجابية لمصالحة وطنية شاملة  وقفات حاشدة في مأرب وتعز تندد باستمرار جرائم الاحتلال بحق سكان غزة عمران.. العثور على جثة "مسلح حوثي" في "عبارة" تصريف مياه  وثيقة تكشف وفاة مريض بسبب تلف جهاز التخدير في أحد مستشفيات صنعاء صنعاء.. حريق "هائل" يلتهم مجمّعاً تجارياً في منطقة شملان صنعاء .. والد الطفلة جنات يواجه الإرهاب الحوثي ويتمسك بمطلب اعدام الجاني "نجاد" مليشيا الحوثي تضاعف عملية زراعة الألغام بمحافظة الحديدة حماس: لا صفقة تبادل دون وقف العدوان على غزة الارياني: مليشيا الحوثي حولت محافظة إب الى اقطاعية لعناصرها القادمين من صعدة​ وعمران​

ثورة فبراير.. لها أم عليها؟

الإثنين, 05 فبراير, 2018 - 04:56 مساءً

هل فشلت ثورة الحادي عشر من فبراير في تحقيق أهدافها وغاياتها؟ وهل تتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع بعد عام 2011م؟ دعونا نجيب على هذين السؤالين بموضوعية ودون تحيُّز لرأي مسبق، ولكن قبل ذلك ينبغي الإشارة إلى بعض الحقائق والمسلمات فيما يتعلق بسنن ونواميس التغيير.
 
يقول خبراء الاجتماع بأن عدد السنوات التي يمكن اعتبارها وحدة قياس للتغييرات المتعلقة بالزمن البيولوجي هي (ملايين السنوات)، بمعنى أنه لا يمكن حدوث تغيرات بيولوجية خلال أقل من مليون سنة، وأن وحدة قياس التغيرات المتعلقة بحياة الحضارات هي (آلاف السنين)، وأن وحدة قياس التغيرات المتعلقة بحياة الأمم هي (مئات السنين)، وأن وحدة قياس التغيرات المتعلقة بحياة الشعوب هي (عشرات السنوات)، وأن وحدة قياس التغيرات المتعلقة بحياة الأفراد هي (بضع سنوات).
 
بالنسبة لمجال التأثير والتغيير الذي استهدفته ثورات الربيع العربي ومنها ثورة فبراير اليمنية فهو تغيير على مستوى حياة الشعوب وليس على مستوى حياة الأفراد وبالتالي فالموضوعية عدم تقييمها وفق نتائج ومخرجات بضع سنوات لأن البضع ليس ذا أثر تغييري سوى على مستوى حياة الفرد سواءً في مجاله العلمي أو الفكري أو المعيشي أو الاجتماعي، لكن يجب حالياً خلال بضع سنوات ثورة فبراير ونحن في ذكراها السابعة النظر إلى منطلقات التغيير الذي استهدف حياة الشعب وأهدافه ووسائله وآثاره المرحلية والكشف عن مدى ديمومتها واستمراريتها وتماسكها.
 
لقد مثّلت ثورة فبراير السلمية متغيراً فريداً باعتبارها أداةً جديدة للتغيير السياسي لم يسبق أن حدث مثلها خلال ألفي عام من تاريخ اليمن، فبالنظر إلى مسيرة التغيير اليمنية تاريخياً على مستوى الحكم والسياسة منذ عصر ما قبل الإسلام وحتى سبعينات القرن المنصرم فقد اتسمت وسائل التدافع السياسي باعتمادها على الطرق غير السلمية، حيث اعتمدت جميع حركات التغيير السياسي طوال تلك الفترة على أداتين رئيسيتن: الأولى الاستعانة بالجيوش العسكرية الخارجية كاستعانة بعض الممالك والأقيال بالأحباش أو الفرس، والثانية: الخروج المسلح والتصفيات والانقلابات كتلك الممارسات والأحداث التي وقعت حقبة حكم الأئمة الهاشميون على شمال اليمن فقد كانت وسيلة خلع الحاكم أو منافسته هي الحروب الداخلية وتجييش العامة في معارك الأسر الهاشمية ضد أبناء عمومتها المنافسة لها أو ضد الدويلات الأخرى، كما اعتمدت كذلك على الاغتيالات والتصفيات الجسدية فقد حكم شمال اليمن ستة وستون إماماً ابتداءً بمؤسس الدولة الهادوية يحيى بن الحسين الرسي عام 284هـ وحتى آخر إمام هاشمي البدر بن أحمد حميد الدين الذي قامت عليه وعلى أبيه من قبله ثورة السادس والعشرين من سبتمبر العام 1962م، ومما يُدهش له بأن هؤلاء الأئمة الستة والستين لم يتوفَ منهم وفاة طبيعية سوى أربعة أئمة فقط بينما قضى واحد وستون إماماً حتفهم بالتصفية الجسدية عبر الاغتيال أو المعارك العسكرية التي كانت تنشب غالباً بين أبناء العمومة من الأسر الهاشمية نفسها التي ترى كل أسرة أحقيتها في الحكم، وهذا يعطي ملمحاً مهماً في طبيعة التغيير ووسائله ومنهجه في تلك الحقبة.
 
وحتى بعد ثورة سبتمبر وقيام النظام الجمهوري شمال اليمن، والتحرر من الاستعمار البريطاني جنوب اليمن فتكاد السمة الغالبة على طرق انتقال السلطة بين جميع رؤساء الشطرين كلاً على حده تتمثّل في أشكال عنف متعددة كالتصفيات والاغتيالات والانقلابات العسكرية وحمامات الدم التي سالت في القصور والشوارع، بغضّ النظر عن بعض الممارسات الانتخابية الشكلية التي حدثت في العقدين الأخيرين كما هو حال الأشكال الانتخابية المزيفة التي مورست في جميع الديمقراطيات العربية.
 
من بين ركام هذا الإرث الدموي الثقيل جاءت ثورة فبراير العام 2011م لتمثّل أول ممارسة يمنية هدفت إلى خلع الحاكم وإحداث تغيير سياسي بطريقة شعبية حضارية سلمية خرج فيها أغلب شباب اليمن ومكوناته بصدورهم العارية في مواجهة الرصاص والقنابل لتجذير وسيلة تغيير حضارية تتسم بالإنسانية وتتفق مع أرقى ما توصلت إليه الخبرات والتجارب في المحيط والعالم، فكانت هذه وما زالت نقطة مضيئة وفارقة تُحسب لثورة فبراير.
 
حسناً.. هل حققت ثورة فبراير أهدافها؟ أم أنها لم تحقق سوى تشرذم اليمن وإعادة حكم الأئمة في نسخته الحوثية الذي استدعته الثورة إلى ساحاتها وخيامها؟ الحقيقة أن هذا السؤال يجب أن يتم تجزئته وإعادة صياغته من قبل أصحابه الذين يُلحّون في طرحه على شباب الثورة، ينبغي أن يكون السؤال هل انتهت ثورة فبراير أم أنها ما زالت مستمرة؟ وهل مجال التغيير الذي استهدفته يتعلق بزمن حياة شعب أم متعلق بزمن حياة فرد؟ وهل تتحمل المآلات والتداعيات اللاحقة؟ وما دور الثورات المضادة وتأثيراتها؟
 
لقد كان مجال التغيير الذي أرادت ثورة فبراير إحداثه متعلقاً بحياة شعب، وليس من الإنصاف محاكمتها بغير وحدة قياسها العشرية؛ فالسبع السنوات الماضية ليست سوى مرحلة من مراحلها التي أرادها شبابها سلمية وأرادتها الثورات المضادة عسكرية، لقد انقضت الجولة الأولى خلال عامي 2011م و 2012م بإخفاق في تحقيق الهدف المباشر في تغيير السلطة، وهو الهدف الذي لن يتحقق بحكم سنن التغيير خلال أقل من عشر سنوات؛ لكنها نجحت في تلك الجولة في إحداث أولى مراحل التغيير المتعلقة بإنعاش الذاكرة الجمعية لليمنيين بأن تغيير الحكم هو ملك للشعب وحق من حقوقه الطبيعية، وتهيئة الوعي الشعبي للاستعداد لدفع ضريبة تغيير إرث تاريخي ثقيل وعميق للاستبداد والكهنوت مهما كانت التضحيات في سبيل ذلك، ومحاولة تجسيد طريقة تغيير سلمية تحقق الهدف بأيسر الطرق وأقل التكاليف، ويقول رموز ونشطاء ثورة فبراير بأن الجولات ما زالت مستمرة بأشكالها المختلفة التي يختارها ويفرضها أعداء التغيير.
 
أما فيما يتعلق بما آلت إليه الأمور من استيلاء الحوثيين على السلطة والحروب المترتبة على ذلك فمن المجحف تحميل مسؤوليته ثورة فبراير السلمية بينما هنالك متغيراً دخيلاً اقتحم الساحة اليمنية والعربية وهو الثورات المضادة التي قادتها الأنظمة السابقة وحلفاؤها في إطار خطة إجهاض الربيع العربي في المنطقة. لقد تعددت أشكال الثورات المضادة في دول الربيع وتنوعت واجهاتها العسكرية والسياسية، ولم يكن الحوثي سوى إحدى واجهات وأدوات ثورة مضادة استهدفت مكونات ورموز ثورة فبراير أسوة بأخواتها في الدول الأخرى، وإذا كانت ثورة فبراير قد اعترفت بأنها لم تحقق في جولتها الأولى تغييراً مباشراً على مستوى السلطة وأدواتها المختلفة وعلى رأسها المؤسسة العسكرية والأمنية فمن غير المعقول تحميلها النتائج التي أحدثتها الثورة المضادة التي كانت ما تزال تسيطر على تلك الأدوات والمؤسسات. لذلك فمن هذه الناحية لا تتحمل ثورة فبراير مسؤولية ما آلت إليه الأمور في ظل وجود فاعلين حقيقيين صنعوا هذا الواقع وتحكموا فيه، ومن ناحية أخرى فإن الأمور لا تقاس ولا تُحاكم بنتائج بعض مراحلها في أي جهد بشري، إنما العبرة بسلامة الأهداف ونُبل المقاصد وسموّ الغايات.
 
لكن هل حقاً استدعت ثورة فبراير الحوثيين إلى ساحاتها وقبلت بهم إحدى مكوناتها رغم أنهم حركة مسلحة محظورة؟ إجابة نصف السؤال: نعم، وإجابة نصفه الآخر: لا. فثورة فبراير التي كانت ثورة شعبية عامة قد قبلت بجميع المكونات اليمنية التي تلتزم بشروطها السلمية والتخلي عن السلاح سواءً الحوثيين أو القبائل المناصرة للثورة. فانخرطت بعض المجموعات الحوثية في ساحات الثورة مجردة عن سلاحها وترفع وتهتف بالأهداف السلمية المعلنة، ولم يكن من منطق الثورة أن تغلق بابها تجاه أي يمني ينضم إليها حاملاً لقضيتها بالأدوات السلمية، بل اعتبرت انضمام مجموعات من الحوثيين أو جماعات من القبائل اليمنية إلى ساحاتها السلمية خطوة في الاتجاه الصحيح نحو صهرهم في المجتمع المدني والتحوّل بهم إلى مكونات مدنية تؤمن بقيم التعايش وتسعى لتحقيق الأهداف المشتركة بالأدوات والوسائل السلمية، لكن برغم ذلك كانت ثورة فبراير تدرك أن للحوثيين أهدافاً ومشاريع خاصة، وأنها كانت بمثابة نسقاً متقدماً للنظام السابق يتم تهيئة أقدامه وسط الثورة استعداداً للقيام لاحقاً بالثورة المضادة، ولقد برزت عدة تباينات وخلافات بدأها الحوثيون بافتعال مشاكل متعددة داخل ساحات الثورة ناشزين عن أهدافها وقراراتها، وانتهاءً بتنفيذ مهمة الاجتياح المسلح والاستيلاء على السلطة ومحاولة تصفية قادة ورموز ونشطاء ثورة فبراير.
 
برغم المآخذ التي يأخذها البعض على ثورة فبراير إلا أنها ستظل نقطة مضيئة في تاريخ اليمن، معبرةً عن حضارة ورقي أبنائه، وإذا كانت قد انتهت جولتها الأولى السلمية فهي تخوض اليوم ثاني مراحلها المتمثلة في المعركة العسكرية التي فرضتها الثورة المضادة ممثلة بالحوثيين ورموز النظام السابق، تخوضها اليوم تحت راية الشرعية وبالشراكة مع مختلف القوى والشخصيات الوطنية وهي القوى التي لم تكن على اتفاق مع ثورة فبراير في مرحلتها السلمية لكنها تخوض معركة التحرير معها جنباً إلى جنب بعد أن كشفت ثورة فبراير كثير من الأقنعة المزيفة والمشاريع الماضوية لجماعات العنف والإرهاب التي كانت تعتمل تحت الطاولة. ومما يؤكد عليه قادة ورموز ونشطاء ثورة فبراير بأنها ثورة مستمرة قادرة على خوض مراحل أخرى في سبيل تحقيق أهدافها التي لا يبدو أنها ستتخلى عنها والمتمثلة في بناء الدولة الحديثة، وإرساء قيم العدالة والحرية، وتعزيز النهج الديمقراطي، والنهوض الاقتصادي، وتحقيق الاندماج السياسي مع المحيط العربي والدولي تحت قاعدة المصالح المشتركة.
 
 


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

د. عمر ردمان