الحوثيون.. وصراعات السلطة (الحلقة 1)
الاربعاء, 21 فبراير, 2018 - 07:29 مساءً
تقوم فكرة مشروع جماعة الحوثيين المسلحة, على استحقاقات سياسية في المقام الأول, ويأتي الدين كعامل أساسي في الوصول إلى تلك الأهداف. حيث يقف على رأس تلك القضايا ما بات يعرف بـ "ولاية البطنين"(1), وهنا تتكاثف أغلب الدراسات المعاصرة لعدد من الباحثين, من الذين سبروا أغوار الجماعة ومنشأها وسياقها الموضوعي والتاريخي, بكونها امتداد طبيعي لفكرة الهادوية الدينية والسياسية, والتي انشأها الإمام الاول – الطاغية - يحيى بن الحسين الرسي (245- 298 هـ) مؤسس الدولة الهادوية التي حكمت (284 – 1006 هـ).
تفيد أشهر المصادر التاريخية أن يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي, المولود في المدينة المنورة, تعود أصولهم إلى الحسن بن علي بن أبي طالب, وجده هو القاسم الرسي, من حاول - دون جدوى - الوصول إلى القيادة السياسية بامتلاك وثيقة ملكية جبل الرس القريبة من مكة, ولكنه فشل هناك فشلاً ذريعاً, ففكر بحيلة وكانت اليمن هي المحطة الاولى لمشروعه.
مذهب الصراعات والحروب!!
اتسم تاريخ الزيدية بكل تياراتها وتناقضاتها بانقسامات متوالية, وصراع مستمر على السلطة, وعرفت عبر مسيرتها التاريخية الدموية بسرعة الانقسام على نفسها, وشن حروب مجتمعة على عدوها وعلى نفسها في نفس الوقت!, وهي التي لم تستقر على حال, كيف لا وأحد أصول المذهب البارزة تقوم على فكرة " الخروج على الحاكم الظالم" وتشكل هذه الجملة واحدة من أهم الأسباب التي فجرت جملة من الصراعات والحروب دون توقف, ودون أن يكون هناك ضابط حقيقي وتشريعي يحدد معالم هذا الخروج بدقة, رغم بعض المحاولات الفكرية التي نُظر لها إلا أنها بقيت حبراً على ورق.!
لقد كانت الاعتبارات الأخرى في شخصية الحاكم – المفترض - تدفع نحو الخروج والتمرد, وحمل هذه الاعتبارات لصالح المتمرد الجديد على السلطة الفعلية, ومن ثم نشبت عشرات الحروب وسالت الدماء غزيرة في أماكن متفرقة من اليمن, وكان أبناء القبائل وقوداً لها, ولم تعرف اليمن استقراراً طول بقاء وسيطرة المذهب وكل تفريعاته, باستثناءات قليلة ربما نعرج عليها في سياق هذه الدراسة.
تاريخياً فإن الزيدية اسم أطلق على مذاهب مختلفة كـ (المطرفية, السالمية, القاسمية, المؤيدية, الصالحية, البترية, السليمانية, الناصرية, الجارودية, الحريرية, الهادوية... الخ) وجميعها تتبنى فكرة الخروج على الحاكم الظالم ولم يبق من المذاهب الزيدية سوى الهادوية، وهو المذهب السائد في شمال اليمن, وتختلف الزيدية المعاصرة (الهادوية) فكرياً عن فرق الزيدية الأخرى المنقرضة. (2)
وبالنظر الى هذه التقسيمات يتضح بجلاء التعدد في وسائل الوصول الى السطلة, وحدة الانقسامات داخل الأسرة الواحدة الحاكمة أو داخل السلالة نفسها, وأنها عبر التاريخ لم تستقر على حال. وكلما حاولت أن تستقر في لحظة من اللحظات بعد جولات من الحرب, تنشط مشكلات من داخلها مرة أخرى, تدفعها نحو الحرب والدمار, وما حصل في الماضي يتكرر في الحاضر مع جماعة الحوثيين المسلحة, وهو ما سنفرد كلاماً مستوفياً في سياق هذه الدراسة في الحلقات القادمة.
الانقسامات الداخلية
تحولت الزيدية بعد مقتل زيد بن علي من فكرة سياسية معارضة للظلم والاستبداد, إلى فكرة سياسية أيديولوجية عنصرية تأسست على إثرها دول سلالية، كما في دولة الناصر الأطرش في الديلم، رغم أنه لم يكن في صلب أجندتها أية شائبة مما يقال عنها اليوم, بأنها دعوة سلالية تنادي بالحق الإلهي لأسرة أو سلالة بعينها، ولم يرد ذلك عن الإمام زيد بالمطلق, كما أن المذهب مر بمرحلتي طبرستان والديلم في القرن الهجري الثاني؛ ففي المرحلة اليمنية تم تقديم الزيدية على أنها مذهب فقهي، فيما هي لم تكن سوى نظرية كهنوتية ثيوقراطية متلبسة برداء المذهب الفقهي, الذي حاول الإمام الهادي سترها به لتُسنى له ممارسة السياسة من نافذة الدين والفقه.(3)
نماذج من الصراعات
جاء في كتاب "الملل والنحل" لآية الله الشيخ جعفر السبحاني, كتاريخ لعدد من الذين حكموا اليمن من أتباع المذاهب الزيدية بكل تفريعاتها, ويصل بهم الى 33 حاكماً فعلياً, من الذين أجمعوا على إمامتهم وكان هناك غيرهم ممن حكم اليمن, إلاّ أنّهم لم يصلوا إلى درجة الاِمامة, وهم إمّا دعاة أو محتسبون، وجاء بعد الاِمام يحيى من أخذ بثأره الاِمام أحمد بن يحيى حميد الدين, وهو الذي لم تكتمل شروط الاِمامة, فيه واستمر حكمه إلى سنة 1383هـ.(4)
ولنأخذ نموذجين في تأكيد حقيقة الصراع والانقسام داخل تركيبة هذه الجماعة:-
الاول: الاِمام المنصور باللّه عبد اللّه بن حمزة (614هـ) , بدأت دعوته الدينية سنة 583هـ وفي سنة 594هـ بدأ حكمه الفعلي, ويعتبر مجدد المذهب الزيدي الهادوي في القرن السابع الهجري. كما كان عبدالله بن حمزة من أشد التكفيريين في تاريخ الزيدية تطرفاً، وكان يرى التكفير بالإلزام.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك, فقد كفر علماء الزيدية والشافعية الذين لاموه وخطؤوه على فعله الإجرامي بحق المطرفية, كما ذكر ذلك كتاب الفضائل لأحمد بن عبدالله الوزير. وهو الى جانب ذلك كفر الأيوبيين الشافعية الموجودين حينذاك في اليمن، وسبى بناتهم وقتل جنودهم في صنعاء, وكان يكفر عموم سنة اليمن، بحجة الكفر بالتأويل، فكان يعتبر أي أرض يفتحها من أرضهم أرضا خراجية عشرية، فيجبي منها العشر وليست الزكاة كما في مناطق الشيعة الزيود والإسماعيلية.
مذبحة المطرفية الكبرى
تعد المطرفية فرقة من فرق الزيدية، وهي كغيرها من فرق المذهب، وكانت لها آراء تخالف الزيدية المخترعة التي انتمى إليها الإمام عبدالله بن حمزة، ومن أبرز سمات مذهبهم تجويز الإمامة في غير آل البيت وقد أغاظ موقفهم هذا وقولهم الإمام عبدالله بن حمزة وأتباعه من الزيدية, وكان سبباً رئيسا في المذبحة التي قام بها خلال القرنين الخامس والسادس الهجريين ، كما لهم آراء أخرى منهم أنهم أكثر سبا للصحابة من غيرهم، وهم كذلك أكثر عبادة وصلاة من غيرهم من الزيدية، كما أنهم أكثر تمسكا بنصوص الهادي وقد أنكروا على الإمام عبدالله بن حمزة مخالفته لبعض نصوص الهادي واختياراته في الفروع.
ذكر الخزرجي في "العسجد المسبوك" الواقعة التالية: فلما كان شهر ربيع الآخر سنة 612هـ خرج الإمام عبدالله بن حمزة من صنعاء إلى كوكبان هو وجميع حاشيته، وأمر بتخريب عدد من بيوت أهل صنعاء والدار السلطانية، فتعطلت صنعاء، ثم رجع بعض أهلها إليها فأغار عليهم أخوه الأمير يحيى بن حمزة فدخلها، وفيها جماعة من العرب ، وسبى جميع من فيها من النساء والأولاد من العرب والعجم, في نفس العام.(5)
قال القاضي الأكوع: قال الإمام عبدالله بن حمزة: أما السباء فنحن الآمرون به، لأن أهل صنعاء في نظره من المجبرة والمشبهة، وأن حكمهم حكم كفار التأويل ما داموا تحت حكم الأيوبيين، وليسوا تحت حكمه.!!(6)
النموذج الثاني:
الإمام المطهر(الناصر) بن شرف الدين يحيى بن شمس الدين, ادعى الحكم لنفسه عام 840هـ , وقد ورث جزءاً كبيراً من جيوش أبيه الإمام شرف الدين في القرن العاشر الهجري, (المطهر) كان ظالماً فتاكا صاحب جرائم واسعة، وكان أبوه الإمام شرف الدين يرسله إلى مختلف المخالفين من الدول المجاورة ومن الخارجين عليه ومن المعارضين له، ومن جيوش العثمانيين في أنحاء متعددة من اليمن، فيقوم بجرائمه القاسية ضد القبائل، ويمهد الأمر لأبيه ولإمامته الظالمة الجائرة.
وقد انقلب المطهر على أبيه وحاصره في صنعاء، وكاد ينتصر عليه، لولا أن مدداً جاء للإمام شرف الدين فانهزم جند المطهر، ثم صار تصالح شرف الدين مع العثمانيين في اليمن ضد ابنه المطهر، وانتقل إلى كوكبان، واستطاع المطهر أن يسيطر على صنعاء وأكثر اليمن، ولقب نفسه الإمام الناصر، حتى توفي في مدينة ثلا سنة 980هـ، عن اثنين وسبعين عاما.
وسنلاحظ أن هذه الحوادث تتكرر لدى ائمة "الهادوية" في حكمهم الظلامي لليمن, فهذه السلالة ما أن تدخل فضاء الاستقرار نسبياً, بعد سلسلة من الحروب الدموية مع خصومها, حتى تنقسم على نفسها من جديد, أو تتعرض لضربات من الخارج.
يتبع.. الحلقة (2)
*نقلاً عن موقع الاصلاح نت