الحوثيون وصراع السلطة.. (الحلقة الثانية)
الثلاثاء, 27 فبراير, 2018 - 11:17 مساءً
استعرضنا في الحلقة الأولى -بشكلٍ مبسط وسريع- بعضاً من أسس المذهب الزيدي (الهادوي) وأن هذا المذهب السياسي المتخفي تحت مذهب فقهي (مجمع) يحمل بذور الخلاف في الأسس والمنطلقات التي يقوم عليها, وهذا السبب جعل المؤمنين به أو المناطق التي تخضع لسيطرته مناطق قلق وخلاف وحروب مستمرة بلا توقف!, وقد تعزز ذلك بصورة واضحة خلال ثمانية قرون من حكم اليمن!!, وتحديداً منذ قدوم الإمام يحي بن الحسين الرسمي الملقب بالهادي إلى الحق في (245ـ 298هـ) من المدينة المنورة الى جبال صعدة, ثم عودة النسخة الأخيرة, المتمثلة في جماعة الحوثيين المسلحة, التي برزت عسكرياً في 2004م وحتى سيطرتها على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية في سبتمبر/ أيلول 2014م.
سيطول الحديث فيما لو تتبعنا مناطق النزاع والحروب التي خاضها أئمة المذهب مع القبائل من اليمنيين, اثناء حكم عدد من الأئمة على اليمن وأجزاء منها, وسيتشعب البحث فيما لو تناول خارطة تلك الحروب التي خاضها أتباع المذهب سياسياً ودينياً فيما بينهم للوصول الى السلطة والثروة, وهي الحروب التي عرجنا عليها سريعاً في الحلقة الاولى, إذا ما عرفنا أن العاصمة صنعاء تعرضت لما يقارب 13 هجوما وغزوا واستباحة, خلال اقل من 200 عام, وتلك الحالة تكررت في مناطق شتى في اليمن على مدى تاريخ الإمامة الدموي ذاته!
انبعاث الإمامة الجديد
مع انطلاق الوحدة اليمنية في مايو/ أيار 1990م والتي رافقها إقرار التعددية السياسية والحزبية في البلاد, والخروج من فضاء الحزب الواحد الذي كان يسيطر على السلطة في الشمال – المؤتمر الشعبي العام – والجنوب – الحزب الاشتراكي اليمن - , ومثلت تلك الحالة الجديدة متنفسا للجميع وخاصة التيارات التي لم يكن لها حضور سياسي من قبل(1), وفي اللحظة التي تشكلت أحزاب جديدة إسلامية وقومية ويسارية, بدأ نوع من التحالف للمرحلة الجديدة, فقد كانت هذه الجماعة ذات النفس الطائفي "الهاشمية" على ارتباط وثيق في بادئ الأمر بالسلطة التي كانت في الشمال والجنوب بوجه خاص!, وكانت مشاركة في السلطة في الشمال وتحظى بامتيازات كبيرة بعد الاتفاق الذي جرى في (1970م) بين الجمهوريين والملكيين, بما بات يعرف باتفاق المصالحة, الذي أوقف ثماني سنوات من الحرب بين الطرفين منذ انطلاق شرارة ثورة سبتمبر 1962م.
لقد برزت تلك العلاقة في مواقف كثيرة وتحديداً مع الحزب الاشتراكي اليمني, فقد كان عدد من الشخصيات الهاشمية في أعلى هرم السلطة وموقع صنع القرار في الجنوب, وهو الذي فتح قنوات للتواصل ونسج بعض من التحالفات الجديدة في الشمال مع قيام الوحدة نكاية بالعلاقة التي تطورت بين المؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم حينها وبين حزب الإصلاح وليد النشأة, وهو ما سيتأكد عن حقيقة هذا التحالف بين الاشتراكي والهاشمية بكل أحزابها أثناء حرب صيف 94م, وما ستكشف عنه عدد من المواقف والجولات فيما بعد!
الخلافات تعصف بالشباب المؤمن
في عام 1992م أسس محمد بدر الدين الحوثى - شقيق حسين الحوثي - وبعض رفاقه, ما بات يعرف بـ منتدى الشباب المؤمن تحت يافطة انشطة ثقافية وفكرية، وكان أحد أبرز المؤسسين محمد سالم يحيى عزان, في لقاء مع الجزيرة بتاريخ الـ 10ابريل/ نيسان 2007م, اشار أن التأسيس بدأ فعلياً منذ قيام الوحدة عام 90م, واستمر ذلك لمدة أربع سنوات, وفي كل مرة يتم إدخال بعض التعديلات على المنتدى, إلا أنه لم يصمد كثيراً فقد طاله التصدع والخلاف والاختلاف, الفعلي من 1998، 1999، 2000م, ففي أواخر عام 2000م, بدأ حسين بدر الدين يطرح فكرة تغيير الأهداف التي أعلناها منذ عشر سنوات, الأمر الذي قوبل الرفض فحصل الانشقاق.(2)
لقد أسفر ذلك الانشقاق عن خروج عدد من الشخصيات البارزة منها فليتة والمؤيدي ومحمد عزان, وجميعهم اتهموا حسين الحوثي بمخالفة المذهب الزيدي, ويمكن القول من واقع قراءة طويلة أن المنتدى كان لتدريس الفكر الزيدي في حقيقة الأمر, الى أن جاء حسين بدر الدين الحوثي واختطفه لصالحه ضمن مشروع عودة الإمامة في اليمن!, والذي بدأ منذ تلك الفترة واستمر ينشط ويتوسع حتى اليوم. كما لا يسعنا القول ايضاً أن حسين بدر الدين الحوثي شجعته إيران على الانقلاب على المنتدى كون الطريقة التي كان يتم به لم يرضي لا الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي كان له أهداف أخرى ولا إيران ذاته التي كانت تريد موضع قدم في اليمن وتريد حركة سياسية على غرار حزب الله في اليمن, وهو ما سيتحقق بعد ذلك أو سيتم السير في هذا الصدد مع التحول ومع خروج القيادات الدينية الوسطية داخل المذهب لصالح الصقور المتطرف والذي سيلتقي مع الهاشمية السياسية التي كانت تعمل منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م.
خلافات البحث عن السلطة
بتتبع تفاصيل الجماعة وظروف النشأة وتتبع خارطة القيادات المؤسسة ومسيرتها داخل وخارج الحركة, سترسم صورة بانورامية اكثر عن الجماعة, وسيتضح بجلاء أن التحول الأخير يسير بغطاء الهاشمية السياسية التي عملت على الانقلاب على ثورة سبتمبر واتخذت عددا من الطرق والأساليب للوصول الى هدفها ليس هذا مجال لمناقشته, ومثلت الحركة الحوثية الذارع العسكري لذلك المشروع أو قل أنها استفادت من هذه الحركة لتوحلها الى ذراع عسكري, وما سيجعل الجماعة أكثر وقوة ومتانة مما كان عليه الأمر من قبل.
فجذوة الخلاف ضلت قائمة داخل بنية الجماعة, وفي كل مرة تجري انشقاقات وتصدعات, غير ان الظروف من الخارج كثيراً ما كانت تساعدها على البقاء والاستمرار, كما أن أعداء الجماعة يتحملون جزء سبب التمدد والانتشار, وفشلهم في عدم الاستفادة من اخطائها ومحاولة مساعدتها على إسقاط نفسها بنفسها رغم انها تحمل بذور ذلك. كما أن هناك من يذهب الى أن الالتحام الذي جرى بأرباب الهاشمية السياسية في البلد قد مدها بالمشورة وعزز لديها القدرة على البقاء, وساهم الى حد كبير في دعمها سياسياً والتفكير لها في التعامل مع نفسها ومع من حولها, وهو ما سيتضح من قبل عدد من الشخصيات الهاشمية وخاصة في صنعاء كالدكتور احمد شرف الدين استاذ القانون في جامعة صنعاء, والذي حسب معلومات متواترة كان له دور كبير في اقناع عدد من "البيوتات" الهاشمية في اخذ البيعة والتسليم للقيادة لعبدالملك الحوثي, يضاف الى ذلك محمد عبدالملك المتوكل وهو أحد ابرز المهندسين لقيام التحالف بين الجماعة وبين الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح بعد ثورة الشباب الشعبية وعقب توقيع المبادرة الخليجية, وتعززت تلك العلاقة مع إقرار وثيقة الحوار الوطني, التي شعر الكثير ان نظام الحكم سوف يغادر مركز صنعاء وسيقر لأن يخرج الى خارجها بإقرار الاقاليم.
كما أن الدكتور عبدالكريم جدبان، وهو الذي خرج عن الجماعة في التحول الاول لها عام 2000م, إلا أنه عاد مع الجماعة ليعمل من جديد منذ بداية الحرب السادسة (أغسطس 2009 وحتى فبراير 2010م) وقد استمر مع الجماعة داعماً ومن ضمن قياداتها ومثلها في مؤتمر الحوار الوطني الشامل (18 مارس 2013، وحتى اغتياله 11نوفمبر/ تشرين ثاني 2013م,) فيما لم يكشف عن التحقيقات حتى الآن, وكانت معلومات متطابقة قد حصلتُ عليها شخصياً من أحد المقربين من وزير الداخلية السابق عبده حسين الترب بأن الحوثيين سحبوا ملف التحقيق ورفضوا الإعلان عن تفاصيل الحادثة وملابساتها, مبقين التهمة مفتوحة, وهو ما عزه بعض المراقبين الى أن الجماعة في تلك الفترة حاولت أن تتخلص من العقول المستنيرة لصالح الشخصيات الجديدة وتعزز هذا المفهوم بالنظر الى وضع العاصمة صنعاء ما بعد الانقلاب في سبتمبر/ ايلول 2014م وما بعد.
اعترض عدد من القادة الميدانيين على قبول عبد الملك الحوثي لاتفاق الدوحة عام 2007م, ابرزهم عبد الله الرزامي، وهو الشخص الأكثر تطرفاً داخل الجماعة, وهو ما اضطر عبد الملك الحوثي الى نفي ذلك عبر الناطق الرسمي محمد عبدالسلام, كما أن هناك شخصيات أخرى تم اقصاؤها كـ عبد الله النمري الحكمي، يُعتقد أنه وأمثاله مجرد "حلفاء" لعبد الملك الحوثي ويرون في النزاع وسيلة لتصفية حسابات قديمة، وتصفية هؤلاء يعود الى كونهم يتصرفون باستقلالية كبيرة عن أي مركز قيادة التي يتبناها عبدالملك الحوثي, أو القيادة الرديفة التي تشكلت في صنعاء مع انطلاق مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
الخلاف مع مراجع الزيدية
دخل الحوثي في خلاف شديد مع علماء الزيدية، المناهضين لخط الإمامة الاثني عشرية في بداية الأمر، وعارض باجتهاداته العلمية بشدة فتوى علماء الزيدية التاريخية، قبل عدة سنوات، والتي وقّع عليها المرجع مجد الدين المؤيدي، والعلماء حمود عباس المؤيد، ومحمد بن محمد المنصور، وأحمد الشامي، عندما أكدوا فيها أن شرط النسب الهاشمي و"البطنين" للإمامة صارت غير مقبولة اليوم، وأنها كانت في ظرفها التاريخي، وأنّ "الرئاسة" وقيادة شؤون الأمة حق من حقوق المواطنين جميعاً، وفيمن يرتضونه، الأمر الذي سبّب له متاعب جمة، أدت إلى هجرة قسرية إلى العاصمة الإيرانية طهران، وظل فيها سنوات، ثم عاد إلى صعدة، بعد وساطات من علماء اليمن مع الرئيس المخلوع صالح.(3)
يتبع ..
نقلاً عن الاصلاح نت