الأخبار
- تقارير وتحليلات
صراع الهوية.. احياء واعتزاز يمني متنامٍ بالفن والموروث الشعبي بمواجهة مشروع التجريف "الحوثي"
العاصمة أونلاين/ خاص/ حافظ الهياجم
الاربعاء, 15 سبتمبر, 2021 - 10:11 مساءً
رافق الحرب التي اندلعت في اليمن منذ انقلاب ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من ايران أواخر 2014، معركة ثقافية ناتجة عن إفصاح المشروع العنصري السلالي عن عودته مستهدفاً بجزء كبير من ذلك الموروث الشعبي الذي تتشكل منه الهوية الوطنية ومايتصل منه بالجانب الفني.
وبسلسلة من الممارسات التجريفية واصلت الميليشيات الحوثية، استهداف الموروث الفني التاريخي وحتى الأزياء الشعبية التراثية التي حاولت التدخل في تفاصيلها وإعادة تشكيلها أو السطو على لون وزي معين باعتباره حقاً حصرياً للسلاليين.
صراع الهوية
وعملت الإمامة منذ دخولها إلى اليمن في القرن الثالث الهجري على فرض موروثها الشعبي والفني وتسويقه في المجتمع اليمني لإستهداف الذهنية اليمنية وفرض هوية جديدة على حساب هوية أبناء البلد، وفي هذا قال الكاتب اليمني محمد المياحي: أنهُ وعبر التاريخ حاولت الامامة بواسطة رمزيات معينه تكريس نفسها كجماعة متميزة كتعمدها تضمين جُمّل في الأغاني وتحمل دلالات أحقيتهم بالولاية.
وأضاف المياحي لـ"العاصمة اونلاين" أن السلاليين لايدعون لأعراسهم سوى طبقة معينه ويرتدون لباس خاص يوحي بمحاولات التمايز بقصد إيصال رسالة أنه ليس بإمكان اليمنيين فعل شيئ إلا بالرجوع إليهم، مشيراً إلى أغنية الزفة اليمنية الشهيرة التي تبدأ بجملة بسم الله المولى العليم مولى الولاية والولي.
استهداف الفنانين
وصعّدت المليشيات الحوثية مؤخرا من حملة اختطافات وملاحقة للفنانين، حيث رصد "العاصمة أونلاين" مداهمة الميليشيات 21 قاعة للأعراس بصنعاء خلال يونيو وأغسطس الفائتين، وتعرض الفنانان يوسف البدجي وأصيل أبوبكر للأختطاف الذي لايزال متواصلاً بينما تعرض آخرين للتهديدات والترهيب.
وفي التفاصيل، تواصل ميليشيات الحوثي اختطاف عارضة أزياء والفنانة انتصار الحمادي منذ فبراير الماضي وتلفق بحقها اتهامات منافية للأخلاق، وفي نهاية يونيو الماضي احتجزت نقطة تابعة لميليشيا الحوثي في منطقة القناوص بالحديدة الفنان فؤاد الكبسي لأكثر من ثمان ساعات الثلاثاء الماضي، أثناء عودته من إحياء إحدى الأعراس في المنطقة.
وبعد يوم واحد، تلقى رئيس نادي المطربين اليمنيين الفنان "شرف القاعدي" تهديدات عبر رسائل من عناصر حوثية بصنعاء بالتصفية الجسدية على خلفية ممارسته للغناء.
وفي أواخر اغسطس الفائت، داهمت مليشيا الحوثي، صالةً للأعراس في حي مذبح بالعاصمة صنعاء واختطفت الفنان الشاب اصيل ابو بكر بينما كان يحيي حفل الزفاف لتقتاده الى جهة مجهولة، وبعد أيام قليلة اختطفت الفنان يوسف البدجي من أمام منزله، لتلجأ لاحقاً لتلفيق اتهامات جديدة لهم بمزاعم "العمالة" بالإضافة الى التبريرات "الداعشية".
وجاءت هذه التعسفات الهمجية تطبيقاً لتعميم حوثي صدر بداية يونيو الماضي، للحد من ما أسمته ظاهرة الفنانين والفنانات في المناسبات والأعراس تحت لافتة "الهوية الإيمانية" التي تتخذ منها الجماعة غطاء لتجريف الموروث الفني والهوية الوطنية.
وإزاء ذلك سخط وغضب كبير يتنامى في أوساط الناس في صنعاء تجاه ممارسات المليشيات، يؤكد ذلك الشاب رياض أحمد الذي تزوج حديثاً، متحدثاً لـ"العاصمة أونلاين" عن همجية الميليشيات التي اقتحمت قاعة الأفراح في حي دارس وسط صنعاء أثناء زفافه، وقامت بالعبث بأدوات الصوت وطرد الفنان وحولت العرس الى فوضى وفزع في أوساط الحاضرين.
وقال إن هذه الممارسات تضيف الى تراكمات الغضب الطويلة من أفعال الجماعة والوضع الأمني والفوضى في مناطق سيطرتها، مشدداً أن الترهيب سينفجر في وجه الميليشيات انتفاضة هي الأوسع.
لباس الأعراس
وفي سياق متصل، تحاول الجماعة الحوثية تكريس أزياء العرسان التي يرتدي خلالها العريس "القاوق" والجنبية المائلة المعروفة بالتوزة باعتبار ذلك مورث محتكر للسلاليين دون غيرهم، مع أنها- أي التوزة وفق باحثين، موروث شعبي تقليدي احتفظ به اليمنيون من الحضارات القديمة وسطت عليها السلالة.
بمقابل ذلك، اعتاد اليمنيون منذ سنوات لا سيما في المناطق الشمالية من البلاد في مناسبات الأعراس ارتداء العريس للزي الذي يشبه ما يرتديه عكفة الأئمة الذين كانوا يحكمون اليمن. وهذا الشكل كرسته الإمامة التي حكمت البلاد في فترات متقطعة.
ومع اجتياح الحوثيين للمُدن اليمنية تغير ذلك حيثُ قال الشاب عمر الباقري "تعز" والذي أقام حفل زفافه في محافظة مأرب نهاية أغسطس الماضي، أنه فضّل أن يرتدي اللباس التعزي التقليدي كنوع من المفاخرة بلباسه الأصلي من جهة، ولمواجهة الفكر السلالي عبر مقاطعة موروثه من جهةٍ أخرى.
وأضاف الباقري لـ"العاصمة اون لاين"، "إن محافظة مأرب حاضنة لكل التراث اليمني وهذا ما دفعه لإحياء اللبس التعزي في مأرب الحضارة والتاريخ".
لايتوقف الأمر هنا، فقد اتجه اليمنيون في كل المناسبات والأعراس خاصة في صنعاء ومناطق سيطرة ميليشيات الحوثي الى افتتاح الأعراس بالنشيد الوطني واختتامه بالسلام الجمهوري وحضر مجسّم وصور الطير الجمهوري والعلم الوطني في تلك المحافل كما لم يحدث من قبل وانسحب الأمر على حفلات التخرج، كشكل واضح من أشكال المقاومة المجتمعية لحملة التجريف الهوياتية والطائفية.
وبمواجهة ذلك سارعت "الحوثية" لاتباع اجراءات تعسفية واتخذت في كثير من الأحيان الذرائع "الداعشية" لتبريرها، من حظر لحفلات التخرج الى استهداف الفنانين ورسم شكل محدد للباس النساء، والمداهمات الهمجية لقاعات الأعراس والمناسبات.
اعتزاز مبالغ بالهوية
ومع استمرار سيطرة مليشيات الحوثي على عدد من المحافظات اليمنية ومحاولة فرض فكرها من خلال الإنفاق الكبير على مناسباتها الدينية والاجتماعية ومحاولة تغيير الهوية اليمنية للجيل الصاعد ارتفع حجم الاعتزاز بالهوية اليمنية ومحاولة بعثها لمواجهة المشروع الحوثي.
وعبّر عن ذلك الشاب محمد هلال"تعز" الذي أقام حفل زفافه في محافظة تعز بداية سبتمبر الجاري من خلال تجهيز الكوشة الخاصة بحفل زفافه على هيئة مُجسم لعرش بلقيس التاريخي وترتيب النخل على جنبات الكوشة، كما قام بارتداء أكثر من لباس يمني يعبر عن موروث عدد من المحافظات.
وقال هلال لـ"العاصمة أونلاين" إن هذا يعد جزء من محاولات تعزيز الهوية اليمنية والإنتماء للبلاد في الظروف التي تعيشها اليوم، مضيفاً أنها محاولات لا تخلوا من مواجهة كل الهويات التي تسعى لفرض نفسها بالقوة على المجتمع اليمني.
أناشيد الزفاف
قاطع كثير من شباب اليمن الأناشيد التي حفظناها من سنوات طويلة في كل حفلات الزفاف والتي تُعظِم الآل وتُشير إلى عبارات يستخدمها الحوثيون لترسيخ فكرة الإصطفاء والتفوق على باقي الناس وهي ذاتها الذريعة التي يسعون من خلالها لحكم اليمن بمزاعم الأحقية، واستبدلها اليمنيون بأغاني شعبية يمنية بعدد من الألوان الغنائية اليمنية الأصيلة.
وقال الفنان محمد الذيفاني الحائز على جائزة رئيس الجمهورية للفن 2013، "يتضح جلياً كيف أصبح هناك وعي جمعي للفنانين ولأغلب العامة بخطورة الألغام السلالية المزروعة في ثنايا تراثنا الغنائي والإنشادي.
ويضيف الذيفاني لــ"العاصمة اون لاين"، أن كثير من الفنانين بدأوا فعلياً بتنقية التراث من هذه الألغام السامة والخبيثة بكل حرص وبحس وطني عالٍ.
كما استشهد بربط تأريخي لما تمارسه مليشيات الحوثي اليوم ضد الفن وأغلب الفنون من قمع وتحريم ذكره لسوابق وشواهد متعددة حدثت في أيام الهادي الرسي وعائلة حميد الدين آخر الأئمة الذين حكموا اليمن، مفيداً أن هذا جانب من تفخيخ التراث وتجريف الهوية الغنائية اليمنية.