×
آخر الأخبار
لماذا يحتاج الأطفال والكبار إلى قيلولة في النهار؟  لجنة أممية تصف عدوان الاحتلال على غزة بـ"الإبادة الجماعية" مجلس الاسناد الشعبي بأمانة العاصمة يلتقي رئيس هيئة الأركان   وصول 146 أسرة نازحة خلال أكتوبر الماضي الى محافظة مأرب   مصدر يتحدث عن نجاة مواطن وابنتيه من تقطع 5 مسلحين وسط "السائلة" في صنعاء توصيات لتقرير حقوقي بتوفير الحماية القانونية لضحايا تفجير المنازل وتعويضهم مالياً وإعادة إعمار منازلهم منظمة دولية تقول إنّ هناك 12 شخصًا يواجهون عقوبة الإعدام في سجون الحوثيين منظمة حقوقية توثق قمع الحوثيين للمحتفلين بثورة 26 سبتمبر وتقول إنها "جرائم لن تسقط بالتقادم"  مجلس الأمن يمدد العقوبات الدولية على اليمن عاما كاملا السلطة المحلية في الحديدة تدين تهجير الحوثيين لسكان 5 قرى في "الجراحي"
بلال الطيب

صحفي يمني

كُل الإسلام!!

الجمعة, 05 يونيو, 2020 - 08:40 مساءً

 عبر تاريخ الإمامة الطويل، كانت الزكاة تؤخذ من سكان «اليمن الأعلى» بموجب ما حدده الشرع، تزيد أحياناً في حال نشبت حرب ما تحت مُسمى ضريبي، وتنقص غالباً أو تلغى في حال أرادت القبائل الشديدة الولاء للإمامة ذلك، بمبررات واهية تتصل غالباً بما تجود به السماء، وكان يطلق على هؤلاء المعفيين: «أنصارٌ» لا «رعايا».
     
حين امتد نفـوذ «الإمامة الزيدية» إلى «اليمن الأسفل» - مُنتصف القرن الحادي عشر الهجري - وفي عهد «المؤيد» محمد بن القاسم - الإمام الثاني لـ «الدولة القاسمية» - صارت الزكاة هي كل الإسلام، جعلها - ذات الإمام - في القليل والكثير، والحبوب والخضروات، وجميع الأقوات، وأفتى بأخذها لثلاث سنوات قادمة، تحت مُسمى «واجبات المستقبل»، وأمر عماله بأن لا يتركوا للمزارعين إلا ثلث محاصيلهم.
      
أما أخوه الطاغية «المتوكل» إسماعيل فقد كان أكثر قسوةً وفجوراً، كفرَّ «الشوافع»، وجعل أراضيهم خراجية حكمها كحكم أراضي خيبر، وقال: «اليمن - يقصد اليمن الأسفل - أرض خراجية استفتحناها بسيوفنا»، وأجاز - تبعاً لذلك - نهبها، والبسط عليها، وعزز فتواه بمطالب ضريبية استنفذت جميع أموال رعاياها، ومدخراتهم، وبمسميات مُختلفة ما أنزل الله بها من سُلطان، وحين أرسل إليه أحد عماله يسأله: «هل يؤاخذنا الله فيما نفعله بحق هؤلاء..؟!»، كان جوابه: «لا يؤخذني الله إلا فيما أبقيت لهم!!»، وأضاف: «إذا استطعت أن تلتص على أخذ نصف أموالهم فافعل، ولكن بصورة لا تنفر، فاليمن أرض خراجية!!».
     
وفي ذلك قال الحسين بن عبدالقادر:
قالوا إمامهم إسماعيل عالمهم
أفتاهم بمقال فيه برهان
يقول أن جنود الترك كافرة
دانت لهم من جميع القطر بلدان
وبعدهم قد ملكناها بقوتنا
صارت إلينا حلال بعدما بانوا
أصولنا تقتضي هذا فلا حرج
بما أخذنا، ولا والقول بهتان
وكل شخص من الزراع عاملنا
على الذي بيديه أينما كانوا
      
بعد هذه الفتاوى صار عمال الإمام وعساكرهم يأخذون الزكاة من «الشوافع» ارتجالاً وبـ «التخمين»، وكانوا أيضاً يأخذونها قبل الحصاد، وذلك بنهب ما يدخره «الرعية» للمُستقبل، حتى المواشي لم تسلم من أذيتهم، حرموها من الأعلاف بأخذ «زكاة المُتبقي»، وغالباً ما كانت تعصف تلك الجبايات بأكثر من ثُلثي المحصول، وأحياناً كُله، وما تم جمعه يخزن في مخازن الإمام، ومدافنه الخاصة دون أن يتم توزيعها على مصارف الزكاة المعروفة، والمنصوص عليها في كتاب الله تعالى. 
      
غير الزكاة أوجد الأئمة مطالب ضريبية ما أنزل الله بها من سلطان، وبمسميات مُختلفة، نذكر منها: «مطلب التنباق، ومطلب الرباح، ومطلب الرصاص والبارود، ومطلب سفرة الوالي، ومطلب العيد»، أضف إلى ذلك «مطلب الصلاة»، حيث كان العساكر يلاحقون تاركي الصلاة، ويفرضون عليهم عُقوبات مالية يستصفونها لهم، حتى المواظبين عليها لم يسلموا من ذلك، ألزموا بدفع مبلغ مالي لإمام المسجد «العلوي»، وفي المناطق الريفية كان «التلم العاشر في الجربة» له.
     
الطابع الديني كان هو الغالب والمُتسيّد، وكان لتلك الفتاوى وتلك المطالب أثرها البالغ في نفوس أنصار الأئمة، وعمالهم، وعساكرهم «المـُـتهبشون»، وبما أنَّ «الشوافع» بنظر هؤلاء «كُـفـار تـأويـل»، و«إخوان نصارى»، فهم يستحقون كل ما يجرى لهم، من سلب، ونهب، وإذلال، وأكثر من ذلك.
       
وعلى هذا الأساس أبيح للعساكر أن يغالوا في أجرتهم، وأن يأخذوا من الرعية «البصائر» وثائق تمليك الأرض، أو «الجنبية» كرهن، وأن يسكنوا في مساكنهم بالقوة، حتى لو أدى الأمر إلى طرد رب المنزل، وأن يفرضوا على الزوجة خدمتهم وإطعامهم ، والكثير الكثير من المثالب التي تحتفظ بها الذاكرة الشعبية، وترددها على الدوام.
     
العلامة المجدد ابن الأمير الصنعاني أشار إلى ذلك الظلم الفادح بقصيدة زاجره، هي في الأصل مُرسلة للأئمة «القاسميين»، نقتطف منها:
فيا عصبة من هاشم قاسمية
إلى كم ترون الجور إحدى المفاخر
يفديكم ابليس حين يراكم
يقول: بكم والله قرت نواظري
خراجية صيرتم الأرض هذه
وضمنتم الأعشار شر المعاشر
ملأتم بلاد الله جوراً وجئتم
بما سودت به وجوه الدفاتر
فبالأخذ كم قد اغلقت من مدارس
وكم من سبيل غدا غير عامر
وكم في زبيد اغلقت من مساجد
واغلق فيها جامع للأشاعر
 
وقال أيضاً في رعايا «اليمن الأسفل»:
كل يوم يلقون كل عناءٍ
وعليهم رحى الضلال تدار
تارة يأتي المثمر بالجور
وأخرى القباض والعشار
     
العلامة المجدد محمد علي الشوكاني هو الآخر سعى جاهداً لمواجهة ذلك الاعتساف والظلم، وتوسط عند أئمة عصرة لرفعه عن كاهل الرعية، وحين باءت محاولاته بالفشل؛ كتب رسالة «الدواء العاجل في دفع العدو الصائل»، أكد فيها أن مصدر الخلل هو عدول أولي الأمر عن القيام بوظائفهم الأساسية من حفظ شرع الله، وإقامته بين الناس، واستغلال مناصبهم الإدارية في خدمة أغراضهم الشخصية، وتحسين وضعيتهم المالية.
      
وفي ذلك قال: «فإن الأمور الشرعية والفرائض الدينية هي التي شرّع الله نصب الأئمة والسلاطين والقضاة لإقامتها، ولم يشرّع نَصْبَ هؤلاء لجمع المال من غير وجهه، ومصادرة الرعايا في أموالهم بإضفاء ما أوجبه الله عليهم».
      
قسم «الشوكاني» المجتمع اليمني إلى ثلاثة أقسام: رعايا يأتمرون بأمر الدولة «الشوافع»، ورعايا خارجون عن سلطان الدولة «الزيود»، وسكان المُدن، وبيّن أنَّ مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل ولاية انحصرت في ثلاثة مسؤولين: «عامل، وكاتب، وقاض».
      
«الشوكاني» شن هجومه على هؤلاء الثلاثة، «مُقنني الفيد»، فالعامل - حد وصفه - لا عمل له إلا استخراج الأموال من أيدي الرعية بالحق والباطل، والكاتب شريكه في كل شيء، وليس له من أمر إلا جمع ديوان يكتب فيه المظالم التي يأخذها العامل من الرعايا، أما القاضي فقد اتهمه بأنه جاهل بالشرع، وبأحكام القضاء، لا يدفع الظلم عن الرعية، ولا يأخذ بيد الظالم، وأنَّ جل همه جمع الأموال من الخصوم، والدفاع عن منصبه ببعضها.
 


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

بلال الطيب