مكامن فشل المفاوضات بشأن المختطفين
الثلاثاء, 01 سبتمبر, 2020 - 06:41 مساءً
في فبراير الماضي، اجتمعت اللجنة المعنية بتبادل الأسرى في الأردن تحت رعاية المبعوث الأممي وتم الإعلان عن خطة مفصلة لإتمام أول عملية تبادل للأسرى، يأتي هذا الاجتماع كثالث اجتماع لهذه اللجنة خلال 14 شهراً منذ التوقيع على اتفاق ستوكهولم في 13 ديسمبر 2018م. كرئيسة رابطة أمهات المختطفين تأملت خيراً بأن يؤدي هذا الاتفاق إلى تسارع عملية تبادل الأسرى وإطلاق المختطفين، إحدى أهم القضايا المحورية في أجندة السلام منذ اندلاع الحرب في 2014.
ولكن للأسف العكس هو الذي حدث. فقد رصدنا في رابطة أمهات المختطفين عبر أعضائنا ومناصرينا من كافة الاتجاهات السياسية والاجتماعية حالات لأكثر من 3000 معتقل مدني، بينهم صحفيون وحقوقيون منذ 2015 قابعين في سجون الحوثيين أو الحكومة الشرعية أو الحزام الأمني في المناطق الجنوبية. كما رصدنا 24 حالة من المخفيين قسرا والمعتقلين المدنيين الذين لقوا حتفهم منذ توقيع الاتفاقية بسبب التعذيب والحرمان من الرعاية الطبية، كما رصدنا مقتل 134 بسبب قصف طيران التحالف العربي على أماكن الاحتجاز الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي.
قضية المعتقلين تعسفيا قريبة إلى قلبي، أنا شخصياً تم اعتقالي مرتين من قبل الحوثيين بسبب نشاطي السياسي وتوقيفي في المطار أكثر من مرة منذ 2015، ومع استمرار التهديدات التي طالتني اضطرت للهروب مع عائلتي من بيتي ومدينتي. ولكن بداية اهتمامي بمجال الدفاع عن المعتقلين والمختفين قسراً حدث بعد أن تم اعتقال زملاء لي سياسيين وصحفيين من قبل جماعة الحوثي في 2015. كنت عضوة في هيئة الدفاع عن المعتقلين والتي شملت عددا من المحامين والحقوقيين متصدرة الدفاع عن المختفين قسراً من المدنيين. ولكن تسارع الأحداث أدى إلى قمع المناصرين أنفسهم واعتقال المحامين والناشطين، ووجدت نفسي أقف على أبواب السجون أطالب بالإفراج عن زملائي وبقية الناشطين إلى جانب أمهاتهم. وفي تلك اللحظة أدركت أننا كنساء وأمهات نملك حصانة جزئية بحكم الواقع الاجتماعي والإنساني لأنه لا يمكن أن يعترض أي إنسان على أم تناشد بالإفراج عن أولادها، فقمتُ بإنشاء الرابطة في إبريل 2016 بطريقة تطوعية وبالتعاون مع أمهات المعتقلين وبعض المحامين والناشطين الداعمين للقضية.
وتشمل الرابطة اليوم 60 ناشطة من كافة الفئات السياسية والجغرافية والمئات من المناصرات والمناصرين لعملنا. ولدينا حضور أغلب محافظات اليمن ونقوم بالدفاع عن جميع المختطفين والمعتقلين من المدنيين والمختفين قسراً بغض النظر عن جهة الاختطاف. يتم التواصل معنا مباشرة عبر مكاتبنا وعبر وسائل الاتصال الاجتماعي وعبر الخط الساخن من قبل الأسر التي يختفي أبناؤها وبناتها وتقوم الرابطة بفتح ملف لكل قضية والاستعانة بمختصين قانونيين لتوثيق كل حالة. بالإضافة إلى عمليات المناصرة والتأييد للمعتقلين وتوثيق حالاتهم فإن الرابطة تسعى لتأهيل المطلق سراحهم وأسرهم نفسياً وطبياً ومحاولة إعادة إدماجهم في المجتمع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
ومنذ تأسيس الرابطة نظمنا 220 وقفة احتجاجية للإفراج عن المعتقلين واستطعنا الإفراج عن 654 معتقلا لدى جماعة الحوثي و90 معتقلا من قبل تشكيلات عسكرية وأمنية في عدن و3 معتقلين لدى الجهات الأمنية في مأرب واكتشاف مواقع 8 تم إخفاؤهم قسرياً. كل هذا بجهود ذاتية وفعاليات مناصرة مستمرة في حين لم تثمر كثيرا" الاتفاقات ومباحثات السلام المختلفة" كما كان مأمولا منها في الإفراج عن المختطفين والمعتقلين. وهذا ليس انتقاصاً من حسن نوايا أو جهود العاملين على المسار السياسي للسلام في اليمن، وإنما افتقارهم إلى معرفة بعض النقاط الجوهرية والخبرة المحلية التي إذا ما تم استيعابها يمكن أن نقطع شوطاً كبيراً في مجال إطلاق سراح المختطفين والمخفين قسراً من المدنيين من جميع الاتجاهات السياسية والجغرافية.
وقد أدى إقصاء مكونات المجتمع المدني المحلية بشكل عام وإقصاء ممثلي رابطة الأمهات بشكل خاص من مشاورات ستوكهولم إلى تعقيد المساعي التي نبذلها لإطلاق المختطفين المدنيين. فبسبب قصر عملية المشاورات على طرفي الصراع اضطررنا في الرابطة إلى رفع قوائم المختطفين التي وثقناها لوفد الحكومة المشارك. وكان الأحرى السماح لوجود الطرف المدني بشكل مستقل عن وفود الأطراف المتصارعة في عملية المشاورات لوضع قوائم المختطفين المدنيين والمطالبة بالإفراج عنهم دون شروط كخطوة نحو بناء الثقة.
نتيجة لهذا الإقصاء قوبلت كل الوساطات المحلية بعد اتفاق ستوكهولم التي نسقتها رابطة الأمهات للإفراج عن المدنيين المختطفين بالرفض من قبل جماعة الحوثي بدعوى ورود أسمائهم في كشوفات تبادل الأسرى ضمن الجهود لتنفيذ اتفاقية ستوكهولم وبالتالي أصروا على إبقائهم تحت الاحتجاز. ونتيجة لذلك، تحولت القضية من قضية إنسانية إلى قضية سياسية وورقة للمفاوضات.
وقد كان لدينا عدد من التحفظات حول عملية الوساطة الأممية لقضية تبادل الأسرى. أول تحفظاتنا كان بشأن الزج بالمعتقلين والمختطفين المدنيين ضمن مشاورات تبادل الأسرى من المقاتلين، حيث من الأولى أن يتم المطالبة بإطلاق سراح المختطفين من المدنيين غير المنخرطين في العمليات القتالية دون قيد أو شرط، فهؤلاء هم مدنيون لم يشاركوا في الصراع وأخذوا من الأماكن العامة والبيوت وليس من العدل زجهم في تبادل بين مقاتلين من الجهتين.
كذلك انتقدنا في الرابطة عمليات تبادل الأسرى والتي تقتضي ترحيل المختطفين من مناطق عيشهم فيتم ترحيلهم مثلا من مناطق سيطرة الحوثيين بعد الإفراج عنهم إلى المناطق التي تقع تحت حكم الحكومة الشرعية والعكس، دون أن يتم تأمين أي مقومات إعادة الاستقرار وفي ذلك معاناة جديدة لهم ولأسرهم.
كما أنه لم يتم التطرق لآلية توثيق وتوحيد الإحصائيات لدى أطراف الصراع ولدى المجتمع المدني، ولم يتم وضع آلية لحماية الشهود والمبلغين لعمليات الاختطاف، ناهيك عن إعادة تأهيل المفرج عنهم حتى لا ينخرطوا في أعمال عنف بدافع اليأس أو الانتقام. كما أننا اقترحنا الضغط على الإفراج عن المعتقلين الأطفال وكبار السن والمرضى كخطوة أولية بدلا عن منهجية الإفراج عن "الكل مقابل الكل".
ومن خلال تجربتي الشخصية وجدتُ أن الوساطات المحلية تنجح أكثر من الوساطات الدولية وذلك لأن الجهود تكون مركزة على أولوية واحدة هي التبادل لا سواه. ثانياً، الوسطاء المحليون يعرفون المناطق والأساليب القبلية والشخصيات التي يخاطبونها وبالتالي إجراءات بناء الثقة موجودة مسبقاً بحكم تواجد الوسطاء العميق في مناطقهم. فمن المفيد أن يتم استثمار العُرف اليمني في الإفراج عن المختطفين والمعتقلين، فالوسطاء المحليون على الأرض أدرى بلغاتهم وأعرافهم القبلية ويتخاطبون بها، وهذا ما تغفل عنه فرق التفاوض السياسي عالية المستوى والتي غالباً لا توجد لها على الأرض. وبالتالي فإن إحدى أسباب فشل الوساطات الدولية هو تغييب الوساطة المحلية وخبراتها الهامة، خاصة من النساء واللاتي أثبتن تكراراً فاعليتهن في صنع السلام في اليمن وغيرها من البلدان. وأخيراً فإن رابطة الأمهات تستخدم اللغة العاطفية والتركيز على القضية الإنسانية وهذه أقوى من أي حجة سياسية أو دبلوماسية.
فكروا في الأمر، كيف أمكن لنساء يمنيات وأمهات، الكثير منهن لا يعرفن حتى القراءة والكتابة، تحقيق إنجازات كبيرة عجز عنها السياسيون وفرقهم الكبيرة من مستشارين دوليين ومختصين؟ الإجابة تكمن في أن الإفراج عن المختطفين والمعتقلين أولوية بالنسبة لرابطة الأمهات، وليست جزئية ثانوية كما هي لدى مكتب المبعوث وفرق التفاوض السياسية لدى طرفي النزاع.
كان من الأحرى أن يتم استيعاب خبرتنا في جميع عمليات التفاوض السياسي واستشارتنا بل وأن يكون للمرأة اليمنية شراكة عادلة وحقيقية في مسار العملية السياسية ومباحثات السلام. من المؤسف أن يطغى الطابع الذكوري البحت على العملية السياسية ليس فقط بالنسبة لفرق التفاوض اليمنية، بل حتى الرعاية الدولية لعمليات السلام في اليمن لا نجدها جادة في إشراك النساء بشكل حقيقي في عمليات السلام. ما يغفل عنه مكتب المبعوث وفرق التفاوض المختلفة أن السلام يبدأ من قلوب الأمهات. إن إيماننا بعدالة قضيتنا لإخراج أبنائنا من السجون دون شرط أو قيد هو هدفنا الرئيسي ولن نهدأ حتى لا يبق معتقل أو معتقلة بدون ذنب أو محاكمة عادلة في أي من السجون.