شعارات حوثية زائفة لشرعنة النهب المؤسسي
الإثنين, 27 أكتوبر, 2025 - 10:33 مساءً
في مشهد جديد من مشاهد الفساد المالي والإداري الذي ينهش مؤسسات الدولة اليمنية في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي، كشف احد الموظفين في الهيئة العامة للبريد بصنعاء عن عملية نهب تجاوزت سبعة مليارات ريال من إيرادات الهيئة من قبل قيادات حوثية نافذة.
تطورت قصة النهب المهولة إلى معاقبة الموظف المبلغ عبر إحالته إلى مجلس تأديبي، في نموذج يعكس المنظومة المعكوسة للعدالة الحوثية، الفاسد يكافأ، والنزيه يعاقب.
تكشف هذه الحادثة عن ممارسات سياسة مالية ممنهجة تقوم على استباحة المال العام وتحويل المؤسسات الإيرادية إلى صناديق تمويل حربي وولائي.
وفقا لتقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي لعام 2023م، فإن المليشيات الحوثية استولت على مليارات الريالات من إيرادات الضرائب والجمارك والبريد والاتصالات لصالح مجهودها الحربي، بعيدا عن أي رقابة أو مساءلة، كما أكد البنك الدولي (تقرير مارس 2024) أن سلطة مليشيا الحوثي تمارس نظام جبايات مزدوج، وتحجب الإيرادات عن البنك المركزي، ما أدى إلى حرمان أكثر من مليون موظف حكومي من مرتباتهم منذ العام 2016.
نهب الأموال من هيئة البريد التي تملك 360 فرع في مختلف المحافظات، يعني فقدان موارد مالية، وشلل في خدمات المواطنين وتدهور في أداء مؤسسة خدمية كانت تؤدي دوراً محورياً في نقل الحوالات وصرف المرتبات والمعاملات الرسمية.
الفساد المالي داخل هذه الهيئة يعكس صورة أوسع لانهيار البنية الإدارية في صنعاء، حيث أصبحت المؤسسات الحكومية تدار بعقلية الغنيمة لا بعقلية الخدمة العامة، وتؤكد تقارير محلية أن العشرات من موظفي البريد لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهور، فيما تحول الإيرادات إلى حسابات مغلقة تديرها قيادات حوثية رفيعة المستوى.
ترفع مليشيا الحوثي شعارات زائفة عن العدالة ومحاربة الفساد، لكنها في الواقع تمارس فساد مؤسسي، لكن الحقيقة أن الموارد التي تكفي لدفع الرواتب تنهب يومياً، بينما تستخدم الشعارات كأداة للتبرير العقائدي والسياسي للفساد، وتؤكد منظمة الشفافية الدولية في تقريرها لعام 2024 أن اليمن تحت حكم الحوثيين أصبح من بين أكثر خمس دول فساداً في العالم.
الموظف الذي قدم بلاغات رسمية موثقة عن الفساد، لم يجد من يحقق فيها، بل أُحيل إلى مجلس تأديبي، هذا السلوك يمثل انتهاك صارخ للمادة (33) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تلزم الدول بحماية المبلغين عن الفساد، هذه الحالة تجسد واقع المؤسسات الخاضعة للحوثيين، حيث الولاء أهم من القانون، والصمت ضمانة للبقاء.
من منظور قانوني وحقوقي، فإن ما حدث جريمة مركبة تصنف كاختلاس مال عام وفق المادة (148) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم (12) لسنة 1994م، وإساءة استعمال السلطة العامة لمصلحة فئة وطائفة محددة، وهي أيضاً جريمة حقوقية تمس الحق في التنمية والخدمات العامة وتندرج ضمن الانتهاكات الاقتصادية الجسيمة.
في ظل غياب الدولة ومؤسسات الرقابة والمحاسبة، تحولت مؤسسات الدولة في مناطق الحوثيين إلى إقطاعيات مالية وشركات خاصة مغلقة تديرها شبكات عائلية وسلالية.
هذا الوضع يهدد اقتصاد اليمن المنهار أصلاً، ويكرس لنظام طبقي ومذهبي يناقض قيم المساواة التي قامت عليها الثورة اليمنية، ويحول العدالة إلى أداة انتقائية لخدمة سلطة الأمر الواقع.
العدالة التي يتحدث عنها الحوثي هي عدالة شعارات تستخدم لتبرير الاستحواذ والسيطرة، بينما تمارس على الأرض عدالة القوة لا عدالة القانون.
ما لم يتم التصدي لهذا النمط من الفساد المؤسسي عبر آليات رقابة دولية ووطنية مستقلة، فإن اليمن ماضٍ نحو تفكيك شامل ومدمر لبنيته الإدارية والاقتصادية.
مدير عام مكتب حقوق الإنسان بأمانة العاصمة
اقرأ ايضاً
آخر الأخبار
كاريكاتير
