عرفته بجوار الكشك
الثلاثاء, 25 سبتمبر, 2018 - 03:31 مساءً
عندما كنت اهيم في أكشاك الصحف في شارع الدائري ابحث عن مجلة اسمها الإكليل توقفت مطلع 2006 وهي تختلف عن الإكليل الموسوعة للعلم اليماني الشهير أبو الحسن الهمداني وصل بي المطاف إلى كشك بجوار جامع الجامعة كان اسم صاحب الكشك محمد النعماني وقد أصبح صديقاً عزيزاً لي فيما بعد.
سألته هل لديك نسخ قديمة من مجلة الإكليل كنت ابحث عن موضوع معين .. كان بجانب الكشك شخص نحيل الجسد يرتدي شميز نصف كم لونه بني له عينين غائرتين تقترب من ملامح عيون الشاعر الشهير أمل دنقل.
اقترب مني وقال لي أي نسخة تريد من مجلة الإكليل شرحت له اني ابحث عن نسخة تحدثت عن الفلسفة في الحضارة اليمنية القديمة وأشارت لكتاب مهم ومفقود لابو الحسن الهمداني اسمه " سرائر الحكمة " وهو كتاب فلسفي مهم تعرض للاخفاء كما تم إخفاء العديد من الكتب التي هي ضمن موسوعة الإكليل للهمداني ذاته.
قالي إن لديه مجموعة نسخ وبإمكاني البحث عن الموضوع لكن لا تتوفر لديه جميع الأعداد ومن هنا بدأت علاقتي به التي كانت محدودة بحكم ارتباطه بالعمل والتدريس وارتباطي حينها بعمل مع الصندوق الاجتماعي للتنمية وكان في الغالب خارج صنعاء ولم أَجِد لديه الموضوع الذي كنت ابحث عنه.
الدكتور عبد الغني علي سعيد، أستاذ الآثار بجامعة صنعاء ورئيس قسم الآثار بالكلية قبل أن يتم تنحيته لمصلحة المطاع ضمن مسلسل الإحلال السلالي الهاشمي في كافة المرافق والمؤسسات.
قصته تحاكي مأساة الحالة الأكاديمية في اليمن حينما بدا وجهه شاحباً من نحو اسبوعين، أثناء تواجده في الجامعة بعد أن توقف عن تعاطي أدوية السكر من نحو شهر ليسدل الستار عن حياة واحد من ابرز علماء اليمن.
كان ساخراً من الوضع وانفعالي قليل كان قلبه طيب ونقي لديه مكتب متواضع في قسم الأثار تأثيثه كان حينها متواضعاً كان يتحدث بنبرة لاتخلو من الشحوب وهو النزيه الذي كان بإمكانه عقد صفقة مع اي سائح امريكي أو أوروبي حينما كانت عمليات التنقيب في اوجها وهو الذي وثق العديد من الأثار في العديد من المناطق اليمنية.. وهو الذي صمم رؤية لحياته... نزيه اليد ونزيه الضمير.
يقول احد طلابه الصديق العزيز محمد محسن الحقب انهم منعوا عنه راتبه من الجامعة وكذلك يفعلون مع معظم الأكاديميين بحجة العجز المالي ، على الرغم من انها تقدر الايرادات السنوية للجامعة حسب كشوفات موازنات حسابات الايرادات الذاتية للعام 2013 بنحو مليار و486 مليون ريال يمني . بينما لا يتجاوز إجمالي النفقة العامة 770 مليون ريال يمني فقط.
يروي محمد بغصة كبيرة حياة الدكتور عبد الغني واتذكر تلك اللحظات التي كان يلح عليا الدكتور الالتحاق بقسم الأثار وكان من احب الأقسام بالنسبة لي كشغف وبحث عن جذور الذات اليمنية إلا أنني حينها قلت له إني لا استطيع أن اترك عملي وشرحت له كم ان الزمن قاسٍ ومرير .. اذكر حينها انه هز رأسه بجوار بوفية كلية الآداب وقال لي بالفعل " الزمن قاسي ومرير ".
وهو ذات الزمن الذي جعله يلفظ أنفاسه جينما عجز ان يجد قيمة العلاج المنتظم وعدم تمكنه من شراء الأدوية التي كان يستخدمها من سنوات وهي ادوية السكر والضغط والكوليسترول.