×
آخر الأخبار
صنعاء .. والد الطفلة جنات يواجه الإرهاب الحوثي ويتمسك بمطلب اعدام الجاني "نجاد" مليشيا الحوثي تضاعف عملية زراعة الألغام بمحافظة الحديدة حماس: لا صفقة تبادل دون وقف العدوان على غزة الارياني: مليشيا الحوثي حولت محافظة إب الى اقطاعية لعناصرها القادمين من صعدة​ وعمران​ رفض مجتمعي واسع لعملية تطييف مليشيا الحوثي المناهج الدراسية "تحالف حقوقي" يشدد على ضرورة حماية "الأطفال" من جميع أشكال العنف والانتهاكات "الأمريكي للعدالة" يدعو إلى حلول جذرية لمعاناة المعلمين في مناطق سيطرة الحوثيين إب.. مشهد تمثيلي يتحول إلى صدمة بعد مقتل "بطل المسلسل" على يد صديقه احتراق حافلة نقل ركاب في نقيل "هيجة العبد" بلحج القسام تبث مشاهد تفجير دبابة للاحتلال غرب جباليا

أهالي المختطفين ...الوجع المخفي !

الأحد, 27 أغسطس, 2017 - 09:07 مساءً


من بين كومة المعاناة والأوجاع التي خلفتها ألة الإنقلاب على الشرعية - ولم يكن انقلاب سياسي فقط، بل انقلاب على العادات والتقاليد والأخلاق والمبادئ الإنسانية -  من بين هذه المعاناة ما هو أشد وجعاً وحزنا على فئة المضهدين من أبناء الشعب، وهي معاناة أسر المختطفين في سجون المليشيات الانقلابية والتي ربما تُخفى على الكثير من العامة والناشطين والحقوقيين والمهتمين بشأن المختطفين والمعتقلين ومعاناتهم داخل السجون وهذا فصل من الجحيم لوحده ،  ولكن ما أعنيه هو معاناة أهالي المختطفين خارج السجون من حيث الوضع النفسي والمعيشي والإنساني.
 
عندما كانت تشن المليشيات حملة اختطافات - ولا زالت -  ضد كل شيء يستهوي رغبتها ، لم تكن تفكر بما سيجلبه إقدامها على اختطاف مثلاً رب الأسرة والعائل الوحيد لهذه الأسرة أو ذاك وبما سيسببه هذا العمل اللإنساني من أوجاع وأحزان وتشتت لبقية أسرة المختطف خاصة إذا كان من اعتقلته هو عمود البيت ومصدر الدخل المعيشي لها ، وفي الأساس هي -  أقصد المليشيات - تريد هذه الحياة المظلمة، حياة الجحيم لمن تعتقد أنهم سبب إقلاق السكينة العامة وتعاسة مشروعها الطائفي .
 
سأترككم مع قصتين حقيقيتين لمعاناة أسر المختطفين كما وصلتني ممن كانوا هم أحد الشاهدين على تلك المواقف.
 
1_  تقول زوجة المختطف(ح. أ) أنها في نهاية رمضان المنصرم(الأسبوع الأخير المسموح فيه بزيارة المختطفين في سجن الأمن السياسي بصنعاء ) تقول أنها ألتقت امرأة طاعنة في السن مع زوجها أيضاً ويقفون أمام بوابة سجن الأمن السياسي منتظرين أن يأتي الدور عليهم لزيارة إبنهم في السجن، قالت زوجة المختطف - والذي هي أيضاً تقف بدورها معهم ليسمح لها وأولادها بزيارة زوجها - قالت كنت اتكلم مع هذه العجوز عن وجودها وأيش معها ومن المختطف الذي تزوره ؟ 
 
فتجيبها العجوز ، أنهم قدموا هي وزوجها من محافظة الحديدة بداية شهر رمضان لزيارة إبنهم المختطف في سجن الأمن السياسي منذ عام، وهو العائل الوحيد لهما وإخوانه الذي تركتهم خلفها في البيت بالحديدة،  وعندما سألتها عن سكنهم الحالي منذ بداية رمضان،  أجابتها العجوز ببساطة أنهم لم يستأجروا بيت ولم يعرفوا أحد في صنعاء يستقبلهم لذلك، افترشوا الأرصفة والأماكن العامة،  إذ يقضوا النهار في التمشية والتجول في شوارع العاصمة وعندما يأتي المساء وهم في أي شارع يكون الرصيف هو سريرهم ولحافهم،  ويجود أهل الخير بما يسد جوعهم ويروي ظمأهم في الفطور والسحور، ويوم الزيارة المحدد لهم يأتون إلى السجن ويدهم خالية من أي شيء يأخذه الأهالي لذويهم عند الزيارات، يكفي رؤية الإبن من خلف الشباك والاطمئنان على صحته والإبتسام أمامه متظاهرين بالسعادة ومتبادلين نظرات شفقة بينهما، إذ أن الإبن يعرف حالة أسرته من بعده وهو الذي كان مصدر الدخل للأسرة فمن أين لهم حتى قيمة قارورة ليمون؟ ،  ووالديه الواقفان عند شباك الزنزانة مثقلان بالحنان والوجع في آن واحد يرمقانه بنظرة حزن تعصرها الآلام المكدسة منذ اختفائه عنهم ذات نهار .
 
هكذا انقضى رمضان معهما في صنعاء وتلك اليوم هي المرة الأخيرة المسموح فيه بالزيارة لهما وبعدها سيغادرون صنعاء متجهين إلى الحديدة، لا سبيل لهم في البقاء بصنعاء التي تحولت إلى سجن موحش في ظل سيطرة العصابات عليها.
 
تقول زوجة المختطف أنها حاولت معها كثير لكي تأخذها معها إلى البيت وتبقيهم عندها،  لكن العجوز رفضت فهي مسافرة مع زوجها بعد الزيارة مباشرة ولن تتأخر.
 
2_ كلنا جئنا لزيارة ذوينا المختطفين في سجون المليشيات الانقلابية، نحمل معنا الكثير من الألم القهر، والقليل مما يحتاجه المختطفين،  نقف ساعات أمام مشرفي السجون للسماح بالدخول ، لكن صاحبة تلك العيون المليئة بالغيوم السوداء وشاردة الذهن، يحوم حولها ثلاثة أطفال يستجدونها أن تشتري لهم ايسكريم ثم لا تنبس بكلمة، توشك أن تسقط بحرقة فتحرق المكان.
اقتربت نحوها وبفضول أدركت أن الأمر أكبر من كون لها زوجا مختطفا في سجون الميليشيات هنا، سألتها كيف حالك؟
محاولة توقف دموعها فتعجز ثم يأتي كلامها بعد برهنة: صائمة من أيام مرت كل الوقت وأبكي، هذا ما بقيت مستوعبة له من كلامنا الكثير لحظتها.
 
وسيكون عليّ أن أفهم مؤخرا من حديثها بأن زوجها هنا في السجن بسبب بقالته التي افلست بعد ديونه وحين جاء حاملا دينا له عند أحدهم، رفض أن يسدده واشتد الخلاف بينهما، وستختطفه عناصر المليشيات الحوثية بعد أسبوع من الخلاف ويبقى في السجن دون تهمة .
 
لم يقف معنا أحد الان رغم قساوة ما نمر به في غيابه والموجع أكثر أنني آتي إلى هنا فقط لأراه وأبكي، عاجزة عن فعل شيء، أو تقديم شيء لأجله. تحدثت زوجة التاجر المختطف بحرقة.
 
لم أكن أمتلك ما يستحق أن امنحها ومع هذا منحتها القليل بعد جهد جهيد قبلت أخذ المبلغ، طلبت رقمي فأعطيتها لكن لأسبوع كامل لم تتصل بي.
عدت بداية الأسبوع التالي لزيارة زوجي كالعادة وإذا بي صدفة أراها .
بادرت
 بالسلام علي معتذرة عن عدم اتصالها بي نظرا لفراغ هاتفها من الرصيد.
منحتها نصف المبلغ الذي أمنحه لزوجي، ودموعها ترافق كل المشاهد.
 
هذا الأسبوع أيضاً بعد الانتهاء من زيارة زوجي بحثت عنها فوجدتها، عانقتني بحرارة وبوداع وحزن أكبر من كل ما مضى، أخبرتني بأنهم غيروا موعد زيارتها لزوجها ولكنها هنا اضطرارا أمام السجن .
بعد اصرار على معرفة السبب، وبصوت مليء بالحشرجة فهمت بأن صاحب البيت طردها مع أطفالها من بيته ويطالبها بسداد الإيجار المتراكم عليها ، لتخرج وأطفالها الى بيت جيرانهم، وجاءت إلى السجن لتقنع السجان أن يأخذ أطفالها الثلاثة ويطعموهم، ليس لها وسيلة أخرى لتطعمهم ويبقوا على قيد الحياة، ربما بقاؤهم في السجن أخف حزنا وأقل تكلفة من الحياة المُرة التي يعيشونها على فتات الآخرين .


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

وضاح محمد